هب أنك نمت ليلة -لا سمح الله- وقلبك يتوجس خيفة؛ لعلمك أن ثمة خطراً حولك قد ينالك منه شر في أي لحظة، فقط تخيل كيف ستكون تلك الليلة؟ حتماً، سوف تطول دقائقها قبل ساعاتها، وستشعر أن الوقت يمر ببطء شديد لم تعهده من قبل، ولن تغمض عينيك طلباً للنوم، ولو حاولت بعد أن أنهكك التعب والسهر فهي محاولة عبثية لن تجلب النوم إليك، ولو خُيرت لدفع المال مقابل السلامة لفعلت دون تردد.. هكذا هي قيمة الأمن تزداد حينما يداهمنا الخوف، ونغفل عنها وقتما نطمئن على أنفسنا وعلى من حولنا، ولأن الأمن ركيزة أساسية لأي مجتمع إنساني، دعا إبراهيم عليه السلام لمكة وقت أعمارها بالأمن؛ إذ لا يمكن للبشر أن يعيشوا في منطقة تحفها المخاطر، فطبيعة الإنسان الهرب مما يهدد بقاءه. وللأسف هذه النعمة العظيمة يفتقدها ملايين العرب اليوم، بعد أن أتى على بعض دولهم ما سمي «بالربيع العربي» ولا أدري أي ربيع هذا الذي أزال الأمن من قلوب الشعوب وزرع مكانه الخوف والترقب، قطعاً، بضياع الأمن يضيع كل شيء، حتى تجد المرء يتمنى النجاة ولا يجدها، ولا جرم أن الخوف يفسد المعيشة، فتقطع الأرزاق والأعناق، ويصبح الناس تائهين متشتتين لا سراة لهم، الاقتصاد ينهار، وإمدادات البضائع تتوقف. ولا يستطيع الفرد قضاء أيسر حوائجه، ويصير همه الأول والأخير تأمين نفسه، وأهله بعد أن اختلط الحابل بالنابل، والخوف بلوى توعد الله بها بني إسرائيل حين زاغوا عن الحق، فقد قال جل وعلا في محكم التنزيل «ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات». وفي الوقت الذي ندعو الله فيه أن يعيد للبلدان العربية أمنها واستقرارها، نحمده أن منّ على بلادنا بنعم لا تعد ولا تحصى، في مقدمتها الأمن والأمان والسلم الذي يعم ربوع الوطن، ويجعل حياة المواطن والمقيم مستقرة لا يعتريها نصب، ولا يكدرها خوف، نعم هذا ما عرفه الجميع عن المملكة، وجربه من عاش على أرضها، وهي نعمة تتطلب منا جميعاً، إدراك قيمتها وصونها، والأمن هو الظل الذي نتفيأه، فنطوف المدن شرقها وغربها، شمالها وجنوبها، ولا يتسلل خوف إلى قلوبنا في أي مكان، رغم اتساع رقعة بلادنا الغالية.