نائب وزير البيئة: المملكة حققت قفزات نوعية في بيئات العمل الآمنة والمستدامة    "الصين الجديدة في القرن الجديد" أحدث ترجمات مكتبة الملك عبدالعزيز العامة    رئيس جمهورية إندونيسيا يزور صالة "مبادرة طريق مكة" بمطار سوكارنو هاتا الدولي بجاكرتا    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الفوز بلقب دوري أبطال أسيا للنخبة    قسم الاعلام بجامعة الملك سعود ينظم فعالية "طل البدر"    المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي يعتمد تشكيل مجلس إدارة جمعية مراكز الأحياء    بيئة المملكة خضراء متطورة    ناصر العطية يتوّج بلقب رالي السعودية.. والسعودي راكان الراشد يحصد المركز الثالث    الرياض تحتضن النسخة الرابعة من المنتدى العالمي لإدارة المشاريع    "التدريب التقني" تؤهل 1560 سعودي وسعودية في مجال التأمين    أمير الجوف يستقبل مديري الأجهزة الأمنية بمحافظة دومة الجندل    أمير الجوف يتفقد مشروع داون تاون ببحيرة دومة الجندل    أمير الشرقية يستقبل رئيس جامعة حفر الباطن وقيادات الجامعة    أمير جازان يستقبل مدير عام فرع وزارة العدل بالمنطقة    "سعود الطبية" توثق في بحثٍ طبي نجاح إزالة ورم نادر من مولودة    «صون الإسكانية» بجازان تعقد إجتماع الجمعية العمومية السنوي الثالث    الداخلية: غرامة مالية تصل إلى 100,000 ريال بحق كل من يقوم أو يحاول إيواء حاملي تأشيرات الزيارة بأنواعها كافة    من أعلام جازان.. الشيخ الدكتور أحمد بن علي علوش    إطلاق عمارة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة ضمن خريطة العمارة السعودية    السعودية تدين وتستنكر استهداف المرافق الحيوية والبنية التحتية في "بورتسودان وكسلا" بالسودان    المملكة تحقق تقدمًا بارزًا في تقرير مخزون البيانات المفتوحة لعام 2024م    مختص: متلازمة التأجيل تهدد الصحة النفسية والإنتاجية وتنتشر بين طلاب الجامعات    محاضرات ومشاريع تطويرية تعزز ثقافة الرعاية في مستشفى الملك سلمان    محافظ الأحساء يستقبل مدير جوازات المنطقة الشرقية    المياه الوطنية تبدأ تنفيذ 15 مشروعًا بيئيًا في جدة بأكثر من 2.3 مليار ريال    تعاون دولي بين التحالف الإسلامي والأمم المتحدة لتعزيز كفاءة محاربة الإرهاب    زلزال بقوة 4 درجات يضرب غرب تركيا    الأهلي السعودي بطلاً لدوري أبطال آسيا.. للمرة الأولى في تاريخه 03 مايو 2025    أمطار نشاط للرياح المثيرة للغبار على مناطق المملكة    العطاء المغني    أوبك بلس» تقرر زيادة الإنتاج بمقدار 411 ألف برميل يومياً    "سدايا" تسهم في دعم مبادرة طريق مكة بالخدمات التقنية في 11 مطارًا خارج المملكة لتسهيل رحلة الحجاج    ضبط 5 مقيمين نشروا حملات حج وهمية    ضبط 3212 محاولة تهريب في أسبوع عبر المنافذ الجمركية    ترحيل 15 ألف مخالف وإحالة 20 ألفًا لبعثاتهم الدبلوماسية    خطة تشغيلية تضمن التزام الشركات بمعايير السلامة والجودة.. «الطيران المدني» توفر 3 ملايين مقعد للحجاج    شاهد.. وزير الدفاع يشهد تمرين القوات الخاصة "النخبة"    الأمير عبدالعزيز بن سعود يلتقي القيادات الأمنية في منطقة القصيم    رئيس الاتحاد الآسيوي يُهنئ الأهلي ويشيد بنجاح المملكة في استضافة الحدث القاري    تشيلسي يقيم ممراً شرفياً للبطل ليفربول    تخريج 331 طالبًا وطالبة من جامعة الأمير مقرن    عرض 5 أفلام سعودية في مهرجان مالمو للسينما العربية    برعاية أرامكو| الظهران تستضيف أولمبياد الفيزياء الآسيوي بمشاركة 30 دولة    رئيس مجلس القيادة اليمني يصدر مرسومًا بتعيين سالم بن بريك رئيساً للوزراء    في معرض جسور ب"جاكرتا".. "ركن المساجد" يبرز اهتمام المملكة ب"التاريخية"    "رفيقا درب" جمعتهما المبادرة: «طريق مكة» تسهل على ضيوف الرحمن أداء الفريضة    قطر ترفض تصريحات نتانياهو "التحريضية" بشأن غزة    توقيف زوجين احتجزا أطفالهما داخل «بيت الرعب»    تحذيرات أممية من تصاعد العنف والتدخلات الخارجية في سوريا.. تحركات لفرض السيادة وتثبيت الأمن من جرمانا للسويداء    عبدالعزيز بن سعود يزور المسجد النبوي ويؤدي الصلاة في الروضة الشريفة    انتبهوا    فيرمينيو يُتوّج بجائزة أفضل لاعب في دوري أبطال آسيا للنخبة    "سالم الدوسري" يحصل على جائزة هداف نخبة آسيا    مبادرة طريق مكة تجمع (رفيقي الدرب) بمطار حضرة شاه الدولي بدكا    المناعة مرتبطة باضطرابات العقل    ارتفاع شهداء غزة إلى 52495    شجر الأراك في جازان.. فوائد طبية ومنافع اقتصادية جمة    جامعة جازان تحتفي بخريجاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التربية والتعليم في عهدة الأمير المثقف

ثمة ترحيب لا نعدم مظاهره من قبل من يقلقهم الوضع المزري الذي وصل إليه التعليم لدينا، بتعيين الأمير خالد الفيصل وزيرا للتربية والتعليم. بواعث الترحيب لديهم يدفعها، في تقديري، عاملان رئيسيان: أحدهما: أن ثمة إجماعا أو شبه إجماع، على انحدار مستوى التعليم بنوعيه: العام والجامعي، والعام منه بشكل خاص. والآخر: شخصية الأمير خالد الفيصل، التي تجمع بين الثقافة الواسعة، والكاريزما المناسبة لتولي مسؤولية جسيمة، بحجم مسؤولية وزارة تُعنى بالركيزة الأساسية لتنمية المجتمعات والدول والحواضر.
لا بد من تطعيم التعليم عموما، فيما يخص المواد النظرية بالذات، بأحدث ما وصلت إليه علوم الإنسان والمجتمع، تلك العلوم التي تدربه على النقاش الحر، وعلى نسبية الآراء، وأن رأيه معتبر، سواء بحضرة أستاذه أو شيخه أو الناس جميعا
هناك من بين المرحبين بالتعيين الجديد، وهم كثر، من يراهن على أنه إذا لم ينتشل الأمير خالد الفيصل التعليم من وضعه المزري الذي تردى فيه، فليس ثمة من هو قادر على انتشاله، في المدى المنظور على الأقل.
لا خلاف على أن التعليم، والعام منه بالذات، هوى، وخاصة في السنوات الأخيرة، في واد سحيق من التخلف عن مسايرة ضرورات التنمية. لقد بات، وهو الذي يستهلك ما نسبته حوالي 6% من الناتج المحلي الإجمالي، لا يفضلُ تعليم الكتاتيب في شيء ذي بال. بل إني لا أبالغ إذا قلت إن تعليم الكتاتيب كان أفضل منه في نواح، منها جودة اللغة العربية: نحوا وصرفا وبلاغة، وجودة الإملاء والتعبير، وغيرها.
التعليم العام اليوم، وبكل أمانة، لا يفضل تعليم الكتاتيب إلا في اعتماده على تكنولوجيا مستوردة لا يد له فيها ولا مقام، أما غير ذلك فليس ثم.
يعتمد تعليمنا اليوم للأسف على الحشو والتلقين والتقديس، ويحارب أشد ما يحارب، المساءلة العقلية والتفكير المنطقي، والنقاش الحر، وتبادل الآراء والأفكار. يحمل طالب المرحلة الابتدائية حقيبة مملوءة بمواد ينوء بها حمله الضعيف، وهي من بعد ومن قبل مواد لا علاقة لأكثرها بالواقع المعاصر، لا من قريب ولا من بعيد، كما لا تؤهله دراستها لأن يكون في يده صنعة أمان من الفقر على الأقل. والنسبة الأخرى القليلة من تلك المواد، إنما تستنسخ علوما عصرية تُعطى له بطريقة حفظ الأشعار والنصوص النثرية، فيكون آخر عهده بها عندما يُفرِغ ما (حفظه!!) منها في ورقة الامتحان.
يجب الإعداد من الآن لتغيير جذري في منهجية التعليم: مادة ومعلما ومناهج تدريس وبيئة تعليم. لن أخوض كثيرا في الأركان الثلاثة الأخيرة، وسأحصر كلامي اليوم في المادة.
بإلقاء نظرة سريعة على مواد الفصل السادس الابتدائي مثلا، سنجد أن ما نسبته خمس وخمسون في المائة منها، مواد نظرية لا تفيد الطالب في معترك الحياة العملية، ولا تؤهله لأي عمل مهما كان متواضعا، ولو لم يعلمها فلن يضيره شيء، بل يمكن أن يقال: إن عدم تعلمه لها قد يحفظ جهده ووقته للفريضة الغائبة من التعليم!. وقبل ذلك، هي مواد أو معلومات، بإمكان الطالب أن يتعلمها ويتقنها، خاصة في ظل الثورة التكنولوجية المعاصرة، بلا حاجة إلى دراستها صفيا. وهذه المواد لا يقف ضررها على إضاعة وقت الطالب فحسب، بل إنها، وهذا مكمن الخطورة، تعبئ وعيه، ومن ثم (لاوعيه) بفكرة اليقين المطلق، الذي لا يعطيه أي مجال يمكن أن ينفذ منه إلى التعامل مع الواقع المتعين على أن له وجوها متعددة، أو أن ثمة تعددية في الآراء والمعتقدات والأفكار، فيتخرج الطالب وهو يعتقد اعتقادا جازما لا يدانيه ريب، بأن ما يُعطى له، وما يدرس له، وما عليه مجتمعه وأهله من آراء، وما يجترونه من تراث كتب من قبل فاعلين اجتماعيين في زمن وبيئة سياسية ماضوية، إنما يمثل"الأصح" وليس الصحيح فحسب، وأن أكثرية أهل الأرض ضالون مضلون!
أما ما يعطى له من المواد العلمية واللغة الأجنبية، والتي لها ارتباط شديد ومباشر بالعصر، ويتوقف عليها دوران عجلة التنمية: إنسانا ومجتمعا، فهي لا تشكل إلا ما نسبته سبعاً وعشرين في المائة فقط مما يدرسه الطالب. وفوق ذلك، فهذه المواد تعطى له، كما قلنا آنفا، بطريقة قديمة، هي أقرب إلى الطريقة التلقينية التي لا تختلف كثيرا عن طريقة تلقينه النصوص الأدبية!، ما يجعل حصيلته منها صفرا أو يكاد، لأنه يعتقد، كما أهله، أن المطلوب منه ليس تعلمها لذاتها، بقدر حفظها للنجاح التقليدي فيها، وبعد ذلك يكون آخر عهده فيها رميها في ساحة المدرسة أو خارجها!
مع كل تلك الغثائية، فالمدرسة لم تعد بيئة جاذبة، بل إنها باتت طاردة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. الطالب، وخاصة في الصفوف الابتدائية، يحس وهو يُذهب به إلى المدرسة، كأنما يساق إلى سجن سيقضي فيه سويعات، هي بالنسبة له كما الدهر.
يحلو لبعض الذين ذهبوا إلى الغرب، إما لدراسة أو لعمل، وألحقوا أبناءهم في مدارسه، المقارنة بين بيئة المدرسة هناك وهنا. المدرسة في الغرب، وفي الدول المتقدمة عموما، بيئة جاذبة، مكان فرح، الوقت فيها متعة لا تدانيه متعة. يتحدث أقاربنا وأصدقاؤنا الذين عاشوا تجربة إلحاق أولادهم في مدارس أوروبا وأمريكا عن أن أولادهم يعشقون المدرسة بشكل عجيب، رغم أنها تطبق عليهم دوام اليوم الكامل. يقولون: إن أولادهم، من فرط جاذبية المدرسة، أصبحوا لا يستمتعون بوقت إجازاتهم كثيرا، إذ يظلون خلالها ينتظرون أيام المدرسة بكل لهفة. في فرنسا مثلا، إذا أرادوا أن يعاقبوا الطفل هددوه بمنعه من الذهاب إلى المدرسة. أما لدينا، فالطالب الصغير لا ينشرح صدره، وتبرق أسارير وجهه، ويضحك حتى تبدو نواجذه، إلا إذا غاب عن المدرسة، إما من تلقاء نفسه، أو بسماح أهله له، أو بتعليق الدراسة لمطر ونحوه. أما في العطلة الصيفية، فإنه، وخاصة في الهزيع الأخير منها ، يظل يعايش هاجس العودة إلى المدرسة، حتى تتملكه رؤى ليلية مرعبة عن بدء الدراسة!
الطالب في الغرب هو نفسه الطالب هنا (جينيا)، الفرق يكمن في طريقة ومناهج وبيئة التدريس. الطرق والمناهج والبيئة لدينا طاردة، فماذا نتوقع من الطالب إذاً؟ إنك لن تجني من الشوك عنبا.
لا بد من تطعيم التعليم عموما، فيما يخص المواد النظرية بالذات، بأحدث ما وصلت إليه علوم الإنسان والمجتمع، تلك العلوم التي تدربه على النقاش الحر، وعلى نسبية الآراء، وأن رأيه معتبر، سواء بحضرة أستاذه أو شيخه أو الناس جميعا، وأن الأمم إنما تتفاضل بقدر عطاءاتها في مجالات يمكن تغيير تراتبيتها فيها، بدل أن يتخرج الطالب من لمدرسة وهو متشبع بفكرة:نحن الأفضل، نحن وحدنا الناجون، والآخرون حصب جهنم هم لها واردون!
كما لابد أيضا من تطعيم التعليم بتراث أسلافنا العقلانيين العظام، كابن رشد وابن خلدون وابن ماجة وابن طفيل، والتراث العقلاني داخل التراث السلفي نفسه، كتراث ابن حزم العقلاني، وتراث الغزالي فيما يخص المنطق مثلا، ناهيك عن إدخال شيء من مبادئ الفلسفة، وخاصة الفلسفة النقدية! أما إن استمرت الحال على ما هي عليه الآن، فستظل ساقية التخلف تدور، وفي النهاية سنجد أنفسنا كما المنبتّ الذي لا ظهرا أبقى، ولا أرضا قطع. وإذ ذاك، لن يكون هناك حمدٌ للسرى!
أعان الله الأمير المثقف الجاد على حمل تركة مثقلة بحملها الموهن للعزائم، تركة أُحيلت إليه وقد ضاع مجداف قاربها وملاحه، وأصبحت الأعاصير تنتابه من كل جانب!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.