أقيمت في ديوانية حمود المزيني بمحافظة المجمعة محاضرة فكرية بعنوان «الثقافة في عصر الخوارزميات»، قدمها الزميل عبدالله الحسني مدير تحرير الشؤون الثقافية وأدارها الأستاذ عوضة الدوسي، تناول فيها المحاضر التحولات العميقة التي أحدثتها الثورة الرقمية في بنية الثقافة، وطريقة تشكّل الوعي الإنساني، وعلاقة الإنسان بالمعرفة في زمن تتسارع فيه الأفكار وتتنافس على الانتباه. واستهل الحسني حديثه بالتأكيد على أن الثقافة لم تعد تُقاس فقط بما يُنتج من معرفة، بل بالطريقة التي تصل بها الأفكار إلى الإنسان، موضحًا أن الخوارزميات لم تعد أدوات تقنية محايدة، بل أنظمة فاعلة تعيد ترتيب الانتباه، وتؤثر في ما نراه، وما نغفله، وما نعتقد أننا نختاره بإرادتنا. كما أشار إلى أن الإشكال المعاصر لا يكمن في وفرة المعلومات، بل في تغيّر شروط الفهم، حيث أدت السرعة والاختزال إلى نشوء ما وصفه ب«وهم الاكتمال»، إذ يظن المتلقي أنه فهم القضايا الكبرى عبر مقاطع قصيرة أو عناوين مختزلة، دون أن يمنح الفكرة زمنها الطبيعي في التأمل والتفكير. وتوقف المحاضر عند مفهوم اللّدونة الدماغية، موضحًا أن الدماغ البشري لا يفقد قدراته في العصر الرقمي، بل يعيد تشكيلها باستمرار تبعًا للبيئة التي يعيش داخلها، وأكد أن الاعتياد الطويل على الإيقاع السريع، والتفاعل اللحظي، والتنقل المستمر بين المحتويات، يؤدي إلى تكيّف عصبي يجعل السرعة نمطًا طبيعيًا، ويُضعف في المقابل مهارات الصبر المعرفي، والتركيز العميق، والبقاء مع فكرة واحدة لفترة طويلة. وبيّن أن هذا التأثير تراكمي وصامت، لا يظهر بوصفه خللًا مباشرًا، بل يتسلل عبر الممارسة اليومية، حيث تنشط بعض القدرات الذهنية على حساب أخرى، ما ينعكس على طريقة التفكير، وتكوين الآراء، والتعامل مع القضايا المركبة. كما ناقش المحاضر مفهوم فقدان الرأسمال الرمزي، موضحًا أن الخسارة الكبرى في الطغيان الرقمي لا تتمثل في نقص المعلومات، بل في تراجع الخبرات المعرفية العميقة، مثل القراءة المتأنية، والعلاقة الطويلة مع النص، والقدرة على التأمل، وهي خبرات شكّلت عبر التاريخ أساس الوعي الإنساني والثقافة المتراكمة. ودعا الحسني في ختام حديثه إلى الدفاع عما سمّاه «المساحات الطويلة للفكرة»، معتبرًا أن هذا الدفاع لا يعني رفض التقنية، بل الوعي بتأثيرها، وإعادة التوازن بين السرعة والتأمل، وبين التفاعل اللحظي وبناء الفهم العميق، مستندًا إلى قدرة الدماغ على إعادة التشكّل متى ما توفرت له بيئة معرفية مختلفة. وشهدت المحاضرة حضورًا لافتًا ونقاشًا تفاعليًا، عكس اهتمام الحضور بالقضايا الثقافية المرتبطة بالتحول الرقمي، حيث شارك عدد من الكتاب والإعلاميين بمداخلات زادت من وهج المحاضرة واتساع الحوار، ومنهم الدكتور عبدالله الحيدري، والدكتور خالد العثمان والدكتور إبراهيم السماري، والأستاذ سهم الدعجاني، والأستاذ عبدالرحمن الروساء، والأستاذ أحمد السعدي، والأستاذ عبدالرحمن الخيال، جميعها أكدت أهمية المجالس الفكرية بوصفها فضاءات تتيح التمهّل، وتغذّي الحوار، وتدعم بناء وعي نقدي في زمن الخوارزميات، كما شهدت إلقاء بعض القصائد الوطنية لشعراء من محافظة المجمعة وهم كل من الشاعر فيصل العبودي والشاعر عبدالمحسن المطيري والشاعر محمد العتيقي. جانب من الحضور