في الوقت الذي سجل فيه قطاع الأفلام ناتجًا محليًا بلغ 40.77 مليارا، معلنًا تحوله إلى القاطرة الاقتصادية للثقافة الوطنية، تراجعت نسبة المحتوى الثقافي المحلي فيه إلى 14.39% فقط. وتكشف هذه المفارقة عن فجوة واضحة بين اتساع الإنتاج وضيق التوطين. وعلى الضفة الأخرى، برز قطاع الكتب والمطبوعات بأرقام أقل حجمًا لكنها أعلى أثرًا، محققًا 5.91 مليارات ناتجًا محليًا بنسبة توطين تصل إلى 58.27%، متجاوزًا المتوسط العام للقطاع الثقافي البالغ 33.16%. وبين هذين المسارين، تسجل المكتبات أعلى محتوى محلي عند 64.00% دون ناتج اقتصادي مباشر. وتشكل هذه الأرقام مجتمعة مشهدًا مركبًا يعيد تعريف مفهوم النمو الثقافي، ويفرض قراءة جديدة لأولويات القيمة المضافة والاستدامة، وذلك وفق تقرير حديث صادر عن صندوق التنمية الثقافي. هيمنة الأفلام يؤكد التحليل الرقمي أن قطاع الأفلام يمثل القاطرة الاقتصادية للقطاع الثقافي، إذ يسهم بأكثر من 84% من إجمالي الناتج المحلي المسجل في القطاعات الثقافية الفاعلة. ويعكس هذا الحجم الضخم تسارع الاستثمارات في الإنتاج السينمائي، والبنية التحتية، والمهرجانات، واستقطاب المشاريع العالمية. غير أن هذا النمو الكمي يخفي خلفه تحديا نوعيا، يتمثل في انخفاض نسبة المحتوى المحلي. ويعود ذلك إلى اعتماد الجزء الأكبر من سلاسل القيمة على خبرات وتقنيات وخدمات غير محلية. وبمعنى أدق، فإن كل ريال يُنتج في هذا القطاع يقابله اعتماد يقارب 85 هللة على مدخلات خارجية، ما يحد من الأثر التراكمي للنمو داخل الاقتصاد الوطني. توازن الكتب على الضفة الأخرى، يقدم قطاع الكتب والمطبوعات نموذجًا أكثر توازنًا للنمو الثقافي. فعلى الرغم من أن ناتجه المحلي، البالغ 5.91 مليارات، أقل بكثير من قطاع الأفلام، إلا أن نسبة المحتوى المحلي المرتفعة التي تبلغ 58.27% تعكس بنية إنتاج أكثر تجذرًا في الاقتصاد الوطني. ويعود هذا التوازن إلى طبيعة صناعة النشر، التي تعتمد أساسًا على مؤلفين ومترجمين ومحررين ومصممين محليين، إضافة إلى سلاسل قيمة أقصر تشمل الطباعة والتوزيع. وبذلك لا يقتصر أثر القطاع على تحقيق إيرادات، بل يمتد إلى إعادة تدوير القيمة داخل الاقتصاد المحلي وتعزيز رأس المال البشري والمعرفي. فجوة التوطين تعكس هذه المعطيات فجوة واضحة بين تعظيم الناتج المحلي وتعميق التوطين، وهي فجوة تطرح تحديًا إستراتيجيًا أمام صانعي السياسات الثقافية. فالناتج المرتفع لا يعني بالضرورة بناء صناعة وطنية مستدامة قادرة على نقل المعرفة، وتوطين المهارات، وخلق فرص عمل نوعية. وفي حالة قطاع الأفلام، يبدو أن النمو السريع سبق اكتمال سلاسل الإمداد المحلية، ما يجعل القطاع أكثر عرضة لتقلبات التكاليف الخارجية، ويضعف قدرته على الاحتفاظ بالقيمة المضافة داخليًا على المدى الطويل. نموذج مستدام تُظهر تجربة الكتب والمطبوعات أن النمو المستدام في القطاع الثقافي لا يُقاس فقط بحجم الناتج، بل بمدى بقاء القيمة المضافة داخل الاقتصاد الوطني. فارتفاع نسبة المحتوى المحلي يعني أن العوائد المالية تتحول إلى استثمارات جديدة، وتطوير مهارات، وتوسيع قاعدة الإنتاج، بدل تسربها إلى الخارج. ويقدم هذا النموذج درسًا عمليًا لإعادة تصميم سياسات الدعم والتحفيز، بحيث تركز على بناء سلاسل قيمة محلية متكاملة، لا الاكتفاء بتحقيق أرقام إجمالية مرتفعة. مفارقة المكتبات تأتي حالة قطاع المكتبات لتضيف بعدًا مختلفًا للتحليل، إذ يسجل أعلى نسبة محتوى محلي عند 64.00%، دون تحقيق ناتج محلي يُحتسب ضمن المؤشرات الاقتصادية. ويُعزى ذلك إلى تصنيف المكتبات بوصفها خدمات ثقافية عامة أو شبه عامة، تعتمد على مدخلات محلية من موظفين وبنية تشغيلية، دون استهداف تحقيق أرباح مباشرة. ورغم غياب الأثر المالي المباشر، فإن دورها في التمكين الثقافي ونشر المعرفة وتوطين الخبرات يمنحها أثرًا طويل الأمد لا يقل أهمية. تعميق التوطين يخلص التقرير إلى ضرورة إعادة تعريف معايير النجاح في القطاع الثقافي، بحيث يصبح تعميق التوطين مؤشرًا موازيًا للناتج المحلي لا تابعًا له. ويتطلب ذلك توجيه الدعم نحو رفع كفاءة سلاسل الإمداد المحلية في القطاعات ذات الناتج المرتفع، وفي مقدمتها قطاع الأفلام، مع الاستفادة من نماذج أكثر توازنًا كالكتب والمطبوعات. وعندها فقط يمكن تحقيق نمو ثقافي مستدام يجمع بين القوة الاقتصادية والجذور الوطنية العميقة. 40.77 مليارا: ناتج قطاع الأفلام، الأكبر ثقافيًا. %14.39: محتوى محلي لقطاع الأفلام، الأدنى بين القطاعات. 5.91 مليارات: ناتج قطاع الكتب والمطبوعات. %58.27: محتوى محلي لقطاع الكتب، أعلى من المتوسط العام. %64.00: أعلى محتوى محلي في قطاع المكتبات بناتج صفري. %33.16: متوسط المحتوى المحلي للقطاع الثقافي.