في ظل تعثر المساعي الدبلوماسية الرامية إلى إنهاء الحرب المستمرة في أوكرانيا منذ فبراير 2022، عاد التصعيد السياسي والعسكري ليتصدر المشهد، مع تحذيرات روسية صريحة من توسيع رقعة السيطرة الميدانية في حال فشل محادثات السلام. ويأتي ذلك بالتزامن مع تحركات أمريكية وأوروبية مكثفة لصياغة إطار تسوية، في وقت يلوح فيه البعد النووي كعامل غير معلن لكنه مؤثر في حسابات الأطراف كافة، سواء على طاولة المفاوضات أو في معادلات الردع بعد الحرب. بوتين يربط السلام وحذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن موسكو ستسعى إلى توسيع مكاسبها العسكرية في أوكرانيا إذا رفضت كييف وحلفاؤها الغربيون مطالب الكرملين خلال محادثات السلام الجارية. وأكد، خلال اجتماع سنوي مع كبار قادة الجيش، أن روسيا تفضل تحقيق أهدافها عبر الوسائل الدبلوماسية، لكنها مستعدة لاستخدام القوة العسكرية إذا ما اعتبر أن الطرف الآخر يرفض الانخراط في حوار جوهري. وأشار إلى ما وصفه ب (القضاء على الأسباب الجذرية للصراع)، مؤكداً أن موسكو ستواصل ما تسميه تحرير أراضيها التاريخية في حال تعثرت المفاوضات. وتعتبر أوكرانيا والدول الغربية هذه الطروحات انتهاكاً لسيادتها وشرعنة لاستخدام القوة لفرض وقائع سياسية وجغرافية جديدة. تقييم روسي للميدان وزعم بوتين أن الجيش الروسي بات يمتلك زمام المبادرة الإستراتيجية على طول خطوط المواجهة، وأنه يحافظ عليها بقوة، ملمحاً إلى نية موسكو توسيع ما تصفه بالمنطقة الأمنية العازلة على الحدود. وأشاد بما اعتبره تطوراً نوعياً في خبرة القوات الروسية وقدراتها القتالية، مؤكداً أن طبيعة الجيش الروسي اليوم تختلف عما كانت عليه في بداية الحرب. وفي هذا السياق، سلط بوتين الضوء على تحديث الترسانة العسكرية، لا سيما في المجال النووي، مشيراً إلى إدخال صاروخ أوريشنيك الباليستي متوسط المدى إلى الخدمة القتالية. وسبق لروسيا أن اختبرت نسخة غير نووية من الصاروخ في هجوم استهدف منشأة صناعية أوكرانية، في رسالة وُصفت بأنها تحمل أبعاداً ردعية تتجاوز ساحة المعركة المباشرة. تحركات دبلوماسية وتأتي هذه التصريحات في وقت تشهد فيه العواصم الأوروبية حراكاً دبلوماسياً مكثفاً، تقوده الولاياتالمتحدة، في محاولة لصياغة خطة سلام قابلة للتطبيق. وأعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن مسودة الخطة قد تُنجز خلال أيام، على أن تُعرض لاحقاً على موسكو عبر قنوات دبلوماسية. ووصف زيلينسكي الوثيقة المطروحة للنقاش بأنها غير مثالية لكنها قابلة للتطبيق، مشيراً إلى تقدم في ملف الضمانات الأمنية، مع بقاء الخلافات الجوهرية قائمة بشأن السيطرة على الأراضي المحتلة. مطالب موسكو ويطالب الكرملين باعتراف دولي بجميع المناطق التي تسيطر عليها قواته في أربع مناطق أوكرانية، إضافة إلى شبه جزيرة القرم التي ضُمت عام 2014، كما يدعو إلى انسحاب أوكراني من مناطق لا تزال خارج السيطرة الروسية الكاملة. ويشدد أيضاً على تخلي كييف عن مساعي الانضمام إلى حلف الناتو، محذراً من أن أي وجود عسكري للحلف سيُعد هدفاً مشروعاً. وفي المقابل، أبدى زيلينسكي استعداداً مشروطاً للتخلي عن خيار الناتو، مقابل ضمانات أمنية غربية ملزمة، مع تأكيده أن عضوية الحلف تبقى الخيار الأفضل من وجهة نظر كييف. كما رفض المطالب الروسية بالانسحاب من أراضٍ لم تتمكن موسكو من السيطرة عليها عسكرياً. البعد النووي وعلى الرغم من أن النقاشات العلنية تركز على الحدود والضمانات الأمنية، فإن البعد النووي يظل عاملاً مركزياً في خلفية أي تسوية محتملة. فقد تخلت أوكرانيا في تسعينيات القرن الماضي عن ترسانتها النووية مقابل ضمانات دولية لسيادتها، وهي الضمانات التي يرى كثيرون أنها انهارت مع الغزو الروسي. ومنذ اندلاع الحرب، لوّح بوتين مراراً بإمكانية استخدام السلاح النووي في حال تعرّضت روسيا لهزيمة إستراتيجية تهدد بقاء النظام، وهو ما يُعتقد أنه أسهم في ضبط مستوى الدعم العسكري الغربي لكييف، خصوصاً فيما يتعلق بالأسلحة بعيدة المدى. ما بعد الحرب ولا تتضمن مسودات السلام المتداولة حالياً أي ترتيبات صريحة تتعلق بالأسلحة النووية أو منع التهديد بها مستقبلاً. ومع ذلك، يرى مراقبون أن أي تسوية دائمة ستتطلب، بصورة أو بأخرى، تفاهمات أوسع بين واشنطنوموسكو بشأن الردع النووي وسلوك ما بعد الحرب، حتى وإن لم تُدرج هذه القضايا بشكل مباشر في نصوص الاتفاق. ربط روسيا السلام بقبول شروطها السياسية والجغرافية تصعيد الخطاب العسكري الروسي بالتوازي مع المسار الدبلوماسي استمرار الخلاف الجوهري حول الأراضي والضمانات الأمنية الحضور غير المعلن للبعد النووي في حسابات التسوية المستقبلية