قبل سنوات وفي بلد الابتعاث، التحقت بدورة تدريبية عن المهارات الأساسية للمدراء الجدد، كانت تقدمها الجامعة دعما لتطوير المهارات العملية لطلابها. وفي بداية التدريب، حكى المدرّب عن حادثة سرقة حقيقية تعرض لها مصرف إنجليزي، وعرض مظروفا مغلقا فيه مستندات مَحْضر تحقيقات الشرطة وإفادات الشهود عن هذه السرقة. ثم قام المدرّب بتوزيع نسخ من هذا المَحْضر إلى المتدربين، وطلب من كل واحد قراءته منفردا، وبعدها استنتاج اسم المتهم بالسرقة. بعد الفراغ من القراءة، اختار كل متدرب اسم متهم واحد بناء على نتائج تحليله الشخصي للمَحْضر. وكانت المفاجأة أن اختيارات كل المتدربين كانت مختلفة عن بعضها، ولم يتفق حتى اثنان منهم على اسم متهم واحد! هنا طلب المدرّب أن نبدأ النقاش ليشرح كل متدرب أسباب اختياره. ومن هذا النقاش أدركنا أن لدى كل متدرب معلومة جديدة يجهلها المتدرب الآخر. بما يعني أن نُسخ المَحْضر في الأساس لم تكن مماثلة، بل هناك معلومة تنقص من كل نسخة، وتجدها في نسخة أخرى. كانت هذه التجربة درسا عمليًا لمهارة (التواصل الفعال) والاستماع إلى وجهات النظر المختلفة. فالمدير الناجح هو الذي يعطي من وقته لينصت إلى اقتراحات وملاحظات موظفيه، ليصنع بذلك بيئة عمل إيجابية تضمن لأفراد الفريق حرية التعبير بما لا يتعارض مع الأخلاق والقيم، وتشجع على التواصل والتفاهم فيما بينهم لاتخاذ القرار الصحيح والذي يصب في مصلحة العمل بالتأكيد. أخيرا، مع نهاية النقاش تم الإجماع على متهم واحد، كان فعلا هو الفاعل كما بينته نتائج تحقيقات الشرطة، وليظهر بذلك للمتدربين أثر التواصل الفعال في معرفة من سرق المصرف الإنجليزي.