وزير الدفاع يلتقي رئيس مجلس الوزراء اليمني    الفريق اليحيى يقف على سير العمل بصالات الحج ب"مطار الملك عبدالعزيز"    ابتداءً من اليوم .. حظر دخول واستخدام أسطوانات الغاز المسال بالمشاعر المقدسة    وفد من مجموعة البنك الدولي يزور هيئة تقويم التعليم والتدريب    وزير التعليم يرعى جائزة الفالح للتفوق العلمي والإبداع    "الأخطبوط" عبادي الجوهر.. "أرينا" أكبر تكريم والسعودية نعمة    الركن الخامس.. منظومة متكاملة    كوبا تعلن أن غواصة نووية روسية سترسو في هافانا الأسبوع المقبل    القطاع الخاص والاستثمار في الفضاء الخارجي    ذبّاح نفسه ما ينبكى عليه    قلوبنا تدمي هنا وهناك    مصر تهزم بوركينا فاسو بثنائية في مباراة حسام حسن الأولى    بن فرحان يبحث مع نظيريه السويسري والكندي مستجدات الساحة    بن نافل يُعلن ترشحه لرئاسة الهلال    الاتفاق يُحدد موقفه من فوفانا وجوتا    موعد مباراة السعودية القادمة بعد الفوز على باكستان    انطلاق فعاليات الهاكاثون المصاحب للمنتدى الأول للصحة والأمن في الحج    «سدايا» تنال شهادة مواصفة الآيزو «iso 42001» العالمية    قرض تنموي سعودي بالسلفادور ب83 مليون دولار    وزير التعليم يتفقد القطاع التعليمي بمحافظة الزلفي    الموارد البشرية: إجازة العيد 4 أيام تبدأ من يوم عرفة    مع التحية إلى معالي وزير التعليم    التطوع والحج    المركزي الأوروبي يخفض سعر الفائدة    كيف تبني علامة تجارية قوية عبر المحتوى ؟    منحة لدراسة الإبل ثقافياً واقتصادياً    فضائل الدول الصناعية وعيوب من عداها    «التحيّز».. الداء الخفي    هيئة الأفلام تكمل مشوار «ليالي الفيلم السعودي» بعروض جديدة في أستراليا    عمارة الحرمين.. بناء مستمر    بحضور وزير الاستثمار ومحافظ الزلفي.. وزير التعليم يرعى حفل جائزة الفهد لحفظ القران    أشهُرٌ معلومات    تجهيز 14 منفذاً صحيًا للحج    إنجازات رائدة    حفلات التخرج.. من الجامعات إلى رياض الأطفال    ولي العهد يهنئ رئيس وزراء الهند بمناسبة فوز حزبه بالانتخابات التشريعية    جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تدشن مسرحها الجديد بأحدث التقنيات المسرحية    أمير القصيم يكرّم البشري بمناسبة حصوله على الميدالية الذهبية    وقوف امير تبوك على الخدمات المقدمة في مدينة الحجاج بمنفذ حالة عمار    رئيس "كاكست" يطلق مبادرات طموحة لتوطين صناعة تصميم الرقائق الإلكترونية بالمملكة    اختصار خطبة الجمعة بالحج لشدة الحرارة    نجاح فصل التوأم السيامي الفلبيني "أكيزا وعائشة" بعد عملية استغرقت 5 ساعات    بجراحة دقيقة مركزي بريدة يستأصل ورما نادراً ضاغطا على الأوعية الدموية    البرلمان العربي: مسيرات الأعلام واقتحام الأقصى اعتداء سافر على الوضع القانوني والتاريخي    "غوغل" تتخلى عن ميزة "سجل الخرائط"    نائب أمير الشرقية يستقبل أعضاء مجلس إدارة جمعية تنمية الموارد المالية    أمير القصيم يقف على جاهزية مدينة حجاج البر    وزير الدفاع يبحث مع العليمي مساعي إنهاء الأزمة اليمنية    رونالدو أفضل لاعب في "روشن" لشهر مايو    "العُلا" سحر التنوع البيئي والتراث    وزير الداخلية يخرّج "1410" طلاب من "فهد الأمنية"    رئيس الشؤون الدينية يدشن دورة "هدي النبي في المناسك"    بتوصية من مانشيني.. الأخضر الأولمبي يقترب من مدرب إيطالي    نائب رئيس جامبيا يزور المسجد النبوي    الضليمي والمطيري يزفون محمد لعش الزوجية    حذّروا من إضاعتها خلف الأجهزة الإلكترونية.. مختصون ينصحون الطلاب باستثمار الإجازة    خالد بن سلمان يجري اتصالاً هاتفياً بالرئيس المنتخب وزير الدفاع الإندونيسي    الوزير الجلاجل وقفزات التحول الصحي !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوايل: صياغة قضية إصلاح التعليم بلغة إسلامي- ليبرالي أنهت الأمل بإصلاحه
نشر في الحياة يوم 16 - 04 - 2013

الدكتور عبدالسلام الوايل أكاديمي سعودي درس وتخصص في سوسيولوجيا المعرفة، وهو مهتم بالبحث العلمي وسياسات العلوم والتقنية، وله إسهامات عدة في الحلقة الفلسفية بنادي الرياض الأدبي. يرى الوايل أن الحياة المدنية أسهمت في اغترابنا عن عالمنا الطبيعي وعن ذواتنا، وأن خطاب أفراد مجتمعنا متناقض بين ما يرغبون فيه وما يمارسونه ويعلنونه، ويرى في هذا خطراً حقيقياً ينبئ بأن الناس غير سعداء وأنهم يخافون الحرية الشخصية ويفهمونها بشكل خاطئ.
ضيفنا يجد أننا نعيش داخل مجتمع أفراده يتوجسون بعضهم من بعض، حتى إننا جعلنا من «العين» شمّاعة نتعلق بها، لنضفي الشرعية على خياراتنا بالابتعاد والحذر من الآخرين، وجعلنا من «السحر» عدواً مفتعلاً تواطأ المجتمع عليه.
كما يرى أن التصنيفات الفكرية السائدة أداةٌ لإعاقة التنمية والتقدم، وأننا مجتمع لا نحب أن نصل إلى الحقائق عبر القراءة، ولدينا شعور عام بأن الفكر والمفكرين والثقافة والمثقفين خطر لا بد لنا من التعامل معه بحذر.
مع الدكتور عبدالسلام الوايل كان ل«الحياة» هذا الحوار الذي نتمنى أن تجدوه ممتعاً.
علم اجتماع المعرفة «سوسيولوجيا المعرفة».. ماذا يعني؟
- يهتم علم اجتماع المعرفة بدراسة المعارف والعلوم والتصورات والمواقف والاتجاهات من زاوية سوسيولوجية، أي من منظور علم الاجتماع، ومدى تأثير المجتمع في المعارف أو العكس. على أن هذه الإجابة غير كافية، فعلم الاجتماع - كما هي الحال مع العلوم الاجتماعية كالتاريخ والسياسة والقانون وأقسام من الجغرافيا - تتنازعه منظورات متخالفة ينفلق معها العلم الواحد، كعلم الاجتماع مثلاً، إلى جزأين رئيسين أو أكثر. مثلاً.. إحدى الطرق التي نقسم بها التراث النظري لعلم الاجتماع تكمن في تقسيمه إلى تيارين رئيسين: البنية والفعل.
ماذا يقدم هذا التقسيم للمجتمع؟
- يركز تيار البنية على البُنى الموجودة في المجتمع، أو على المجتمع كله، بصفته بنيةً تامة كبيرة، فإن تيار الفعل يركز على الفعل الاجتماعي للأفراد والجماعات. هذا الانقسام يطبع علم اجتماع المعرفة، بحيث يمكن أن يكون هذا العلم ذا منظور بنيوي، لا يشبه أبداً ذاك المنطلق من منظور الفعل. مثلاً.. عالم الاجتماع الشهير دوركايم (أحد رواد التيار البنيوي في علم الاجتماع) حاول أن يوجد أصلاً اجتماعياً للمعرفة، أي كيف نشأت معرفتنا بالزمان والمكان والظواهر الطبيعية؟ وكيف يتم تصنيف هذا العالم وترتيبه؟ بالنسبة إليه التنظيم الاجتماعي هو أساس المعرفة.
التنظيم الاجتماعي
ولماذا هذه الرؤية للتنظيم الاجتماعي؟
- التنظيم الذي نشأ قديماً على القبيلة والعشيرة والعائلة أنتج معرفة تعكسه. النجوم والكواكب والأشجار والغابات والحيوانات والطيور تُقسّم بوصفها قبائل وعشائر وعوائل. تصنيف العالم الطبيعي ناتج من نوعية التنظيم الاجتماعي السائد. الزمن الذي يتعاقب، كالأيام والفصول، قسمناه بحسب خبرتنا بالكائن الحي الذي يولد ويشب ويشيخ ويموت.
في ظل البنيوية.. هل سيكون للفعل دوره في التنظيم الاجتماعي؟
- يقابل المنظور البنيوي الذي يبحث عن أصل للمعرفة في البنية الاجتماعية منظور الفعل الذي يركّز على كيفية تشييد الأفراد معارفهم من خلال تفاعلهم بعضهم مع بعض. وفق هذا المنظور يمكن النظر لبعض المعارف السائدة في جماعة ما كسيادة المعرفة التي تقول إن كشف المرأة وجهها حرام، بوصفها معرفة يتم إنشاؤها ورعايتها والمحافظة عليها من خلال التفاعلات الدائمة لإفراد الجماعة بعضهم مع بعض، لتتحول جزءاً من ذاتية الجماعة. من له معرفة مختلفة (أو قول مختلف) ليس منّا، بشكل ما هو غريب أو ظل لغريب. هذا المنظور يركز على كيفيات بناء المعارف وكيفية بقائها واستمرارها. في كل الأحوال يتناول علم اجتماع المعرفة قضية المعرفة في منطقة ما بين تناول رجل الشارع والفيلسوف لها، بتعبير بيرغر ولكمان.
بين التقسيمين البنيوي والفعل أين أنت؟
- تجب تجلية أمر مهم هنا، وهو أن علم الاجتماع السائد، لدينا وفي العالم كله، هو ذاك المنطلق من المنظور البنيوي، الذي يبحث في الظواهر ويرى المجتمع شيئاً يشبه المجتمع الحي. تحيزي وانتمائي إلى القسمة الأخرى من علم الاجتماع قسمة منظور الفعل الذي يحاذر نسيان فرادة الفرد وإمكان إفلاته من تأثير البناء الاجتماعي.
كما يركز على تأثير الأفراد في العالم الاجتماعي، ولذلك يستعين بعلم النفْس والفلسفة وكل ما له علاقة بفهم الفرد بوصفه كائناً قادراً على الفرادة والتميز. من الجدير بالذكر أن عالم الاجتماع الإنكليزي المعاصر غيدنز حاول أن يحل معضلة هذه الثنائية في علم الاجتماع من خلال نظريته التبنين Structuration التي تقول بتمثل الفرد للبناء الاجتماعي.
التوجه إلى دراسة الاجتماع.. هل كان الخيار الأول أم أن هناك ظروف اضطرتك إلى هذا التوجه؟
- علم الاجتماع كان على الدوام خياري الأول. تسكنني السوسيولوجيا منذ قدِمت.
غمزتِ المعرفة لي عندما كنت في ميعان الصبا. وثمة أمر غريب هنا، وهو أن دراستي النظامية تعطلت في السنة الأولى من المرحلة الثانوية فتركت الدراسة أعواماً واتجهت للوظيفة. حتى في تلك الأعوام التي تركت فيها المدرسة كنت أود التخصص في علم الاجتماع. دائماً ما مثّل المجتمع سؤالاً غموضه وسحره يزدادان كثافةً.
العلوم والتقنية.. هل أصبحا جزءاً من يومياتنا؟ وهل استُثمرا بشكل إيجابي في حياتنا؟
- بلا شك، هما جزء من حياتنا. التقنية جزء من حياة الإنسان منذ أن قدر على استخدام العصي والسهام للصيد وإشعال النار، لكننا نجد أنفسنا في هذا العصر نهجر البيئة الطبيعية بسبب تمكين التقنية لنا من إنشاء بيئة مصطنعة.
كثيراً ما أتأمل في دور التقنية في اغترابنا عن عالمنا الطبيعي، وربما عن ذواتنا. في طفولتي، كانت أشهر آب (أغسطس) تتوالى من دون تكييف. هل نقدر على شيء من هذا اليوم؟ نأتي للقِسم الآخر من السؤال، هل استُثمر بشكل إيجابي؟ بصراحة، لديّ نفور من الأسئلة المعيارية، إيجابي-سلبي...إلخ. لكن، يمكن ملء صفحات طوال عن طرقنا السلبية مع التقنية وكذلك الإيجابية.
في كل الأحوال لديّ منظور متفائل باستخدامات التقنية. غير أنها تجعل الحياة أسهل، فهي تقلل من التفاوتات الاجتماعية وترفع من مناسيب العدالة.
هل تؤخذ توصيات البحث العلمي في الاعتبار أم أنها أوراق على أرفف المكتبات فقط؟
- ثمة طلب متزايد على منتجات البحث العلمي في مجتمعنا، وهذا يعني أن ثَمة أدواراً أوسع للجامعة، محضن البحث العلمي، من مجرد التدريس. إنها تقوم بخدمة المجتمع بإسهام علمائها في حل المشكلات المجتمعية، إضافة إلى البحوث التي ينتجها العلماء بوازع من اهتمام فكري خاص أو رغبة في الترقية.
هناك بحوث تنتج، لأنها مطلوبة من المجتمع. أي أن ثمة بحوثاً تُعمل لتسهم في الإجابة عن أسئلة عملية. لكن، إن أردنا النظر إلى المسألة بشكل أوسع، فإن البحث العلمي في السعودية لن يبلغ الصورة التي نريدها ليس بسبب الجامعات، ولكن بسبب حقائق المجتمع خارج الجامعة.
مثلاً.. يصعب أن تنتج بحوثاً علمية مميزة أو تزيد في وتيرة الإنتاج العلمي في ظل انعدام طلب مجتمعي واسع للبحث العلمي. الطلب المجتمعي على البحث العلمي يزيد مع تزايد الإنتاج في المجتمع.
بشكل عام، نحن لسنا مجتمعاً إنتاجياً، لذا يظل الطلب على البحث العلمي محدوداً، وعليه ستظل ديناميكية البحث العلمي ثقيلة وبطيئة.
تعطيل البحث العلمي
هل تشعر أن المجتمع السعودي أسهم في تعطيل البحث العلمي؟
-لأكون واضحاً أكثر، أعطي مثلاً.. نحن نمرُّ بطفرة إنشائية كبيرة منذ أعوام، فهناك مبانٍ تُنشأ وطرق تعبد وغيره. لكن ليس المواطن السعودي هو من يبني هذه المنشآت. نحن «نشتريها». وكذلك نشتري أشياء كثيرة.
هذا الخلل التنموي ينعكس على البحث العلمي. بلا نمو في إنتاجية المواطن، إنتاجية الاقتصاد ككل وليس اعتماده على بيع مادة أولية، لن يكون هناك طلب مجتمعي واسع على البحث العلمي. الطلب على البحث العملي لا يلزم أن يكون لحل مشكلات إنتاجية، كما في المصنع مثلاً. قد ينمو الإنتاج العلمي بسبب الطلب المجتمعي على الإنسان المنتج الذي تعده الجامعة.
مثلاً.. في كوريا قفز الإنتاج العلمي بصورة غير مسبوقة «بشرياً»، ليس بسبب أن الاقتصاد الكوري النامي يحتاج إلى هذه البحوث، بل لأن الاقتصاد الكوري يحتاج من الجامعة إلى أن تؤهل قوة عمل مناسبة للعمل في الصناعة الثقيلة أولاً، ثم في قطاعات التكنولوجيا. لقد خلق الاقتصاد المنتج طلباً على خريج الجامعة الكُفْء، وهذا أوجد طلباً على عضو هيئة التدريس الكُفْء.
جزء أساسي من الكفاءة في التدريس الجامعي يقوم على المقدرات البحثية، لذا اشتعلت المنافسة داخل الجامعات بين العلماء، لإنتاج البحث العلمي فتحركت عجلة البحث العلمي الكورية.
افتتاح عدد هائل من الجامعات في المملكة.. لماذا لم نجعل هذه المدن صالحة وجاذبة للحياة والسكنى فيها؟
- شكراً على هذا السؤال. بعد تضخم المدن الكبيرة لدينا بشكل متسارع (الرياض مثلاً تضاعف عدد سكانها 17 مرة خلال 35 عاماً)، حاولت الجهات المتخصصة معرفة السبب واستعانوا بالباحثين في الجامعات لمعرفة أسباب الهجرة الداخلية. من أهم الأسباب التي تم التوصل إليها هو عدم توافر الخدمات في المدن الوسطى والصغيرة. فحدث أن تم التوسع في افتتاح الجامعات وأيضاً إقامة خدمات متنوعة في تلك المدن. فصارت الخدمات أكثر سهولةً في المدن الأصغر.
مثلاً.. الحصول على مقعد جامعي أو سرير في المستشفى اليوم أسهل في شقراء منه في الرياض. لقد نجحت هذه الإجراءات في خفض معدلات الهجرة الداخلية. لكن لا يزال الناس يحبون المدن الكبرى، من هاجروا للمدن الكبرى من أجل الخدمات لم يرجعوا لمدنهم الأصلية بعد توافر الخدمات.
في رأيك في ذلك.. ما السبب؟
- يطرح البعض أسباباً تتعلق أيضاً بنوعية الخدمات، مثل تفضيل التعليم الجامعي في المدن الكبرى عن نظيره الذي في الصغرى أو المستشفيات المتخصصة والخدمات الطبية المتقدمة في المدن الكبرى.
لكن أيضاً، هناك سبب آخر في نظري، وهو سبب ثقافي. لا تزال الخدمات الترفيهية في المدن الصغيرة والمتوسطة بعيدة بشكل هائل عن نظيرتها في المدن الكبرى، المطاعم العائلية مثلاً.. كم فرعاً ل«أبل بيز» في الرياض وكم فرعاً في المجمعة؟ ماذا عن ملاهي الأطفال ومحال ألعابهم؟ وماذا عن كل ذلك، المطاعم والألعاب، في المولات التجارية الكبيرة، حيث يجتمع التسوق والترفيه؟ على رغم الزحمة والغلاء، لا تزال المدن الكبرى تقدم مستوى حياة مديني أكبر بكثير مما تقدمه المدن الصغيرة والمتوسطة. خدمات الترفيه والتسوق في المدن الكبرى هناك خيارات أكبر للنساء والأطفال، وهؤلاء فئات اجتماعية صاعدة ووزنها يتزايد.
غياب هوية
اغتراب، غياب هوية.. هل هذا هو حالنا الآن؟
- أعتقد بأن اغتراب الأفراد عن ذواتهم يزداد. جزء من الأسباب يتعلق بالحياة المدنية وطبيعتها. لكن ثمة أسباب تختص بطبيعة خيارتنا لتنظيم مجتمعنا. مثلاً.. الكثيرون مغتربون عن ذواتهم، عما يحبونه ويريدون ويفضلونه، آراءهم تعاكس خياراتهم في الحياة.
عندما ألاحظ خطاب بعض الأفراد حيال بعض القضايا، افتتاح دور سينما مثلاً، أجد أنهم يتبنون رأياً معارضاً بصرامة لشيء مثل هذا. أو عندما يطرح الموضوع في صحيفة محلية وأقرأ ردود القراء، أجد غالبيتها العظمى ضد افتتاح سينما «في بلادنا». لكن ما أن تهل علينا عطلة، ولو أسبوعاً واحداً، حتى تبدأ طقوس فرار جماعي كبير.
إماراتية من مواطني دبي كتبت في «تويتر» في إجازة عيد الأضحى: «خايفة أدخل بيتي ألقى سعودي منسدح في الصالة». عماذا يبحثون هناك؟ عن الشيء الذي قالوا إنهم لا يريدونه! هذا أمر غريب ومحير. لماذا نقول إننا لا نحب الأشياء التي يؤكد سلوكنا إننا نحبها؟! هذا هو الاغتراب. هذا واحد من أخطر المعضلات الاجتماعية. إذا كان الناس مغتربون عن أنفسهم، فمعنى ذلك أنهم غير سعداء.
الانفصال بين الواقع والهوية.. ازدواجية حياة الفرد في مجتمعه.. هل غياب الحرية الشخصية أسهم في تكوين هذه الحالة السائدة؟
- دعينا نسميه الانفصال بين الخيارات الفكرية وخيارات الحياة. بالفعل، ثمة ازدواجيات متعددة في مجتمعنا، الأمثلة التي طرحتها في إجابتي عن السؤال السابق تعطي ملمحاً عن ذلك، لتكن إجابتي هنا امتداداً لإجابة السؤال السابق. هل السبب غياب الحرية الشخصية؟ الجواب، نعم. لكن الحرية الشخصية ليست غائبة فقط واقعاً متحققاً، بل هي غائبة مفهوماً وفكرةً. لذا يقاتل الأفراد، وهم في حال عوز لمستوى معقول من الحرية الشخصية، ضد حرية أنفسهم والآخرين.
كم مرةً حصل أن أُطر نقاش ما بشكل ينطوي على فهم خاطئ لفكرة الحرية الشخصية؟
- لنأخذ مثلاً.. كثيراً ما تقدم القضية الممجوجة لكثرة تردادها، قضية قيادة المرأة السيارة، بوصفها خيار المجتمع وحتى خيار النساء. وعليه فإن عدم السماح بقيادة المرأة إنما هو تطبيق لمبدأ الحرية الشخصية. الخطأ في هذه الطريقة أنها تنطلق مما يطلق عليه «ديكتاتورية الغالبية».
هذا الرضوخ لتغييب الحرية الشخصية أوقع الأفراد في مشكلات أخلاقية كبيرة. وحين أقول «أخلاقية» لا أقصد ممارسات سلوكية خاطئة ومرفوضة، بل أقصد الازدواج والتناقض، لأن الناس يفهمون الحرية بشكل خاطئ، وغالباً يخافونها، فإنها (الحرية) مفهوماً والتزاماً غائبةٌ. غياب الحرية الشخصية يُلجئ الأفراد إلى الاحتماء بخطابات تقول إن كثيراً مما نحبه وتحبه زوجاتنا وأبناؤنا هو خاطئ.
وبما أننا عاجزون عن الالتزام بمقتضيات هذا الخطاب والزهد بما آمّنا بأنه أمر خاطئ، كالسينما مثلاً والأسواق المفتوحة، تحدث الازدواجية. لو تحولت الحرية الشخصية إلى قيمة يتفق المجتمع على احترامها، لتغير الخطاب كثيراً وتغيرت الآراء، ومن ثم خفت الازدواجية.
تعلُّقنا بالغيبيات والخرافة والسحر.. لماذا تنخفض وتيرته حيناً وتزداد حيناً آخر؟ ما لذي يتحكم في الأمر؟
- أحب إثارة هذه المواضيع، بيد أني لا أحمل إجابة ناجزة. المشكل في الأمر أن السحر والعين والرؤى أضحت طرقاً لفهم الواقع للسلوك والتصرفات والأخطر للعلاقات الإنسانية.
لقد سمّيتها في مقال لي بصحيفة «اليوم» «خطاب التوجس». غبت عن البلد بضعة أعوام ورجعت فوجدت الكل يتوجس من الكل. الكل، باسم العين، يخاف من الكل. تحوّل الأمر صناعةً، فهناك سوق رائجة للرقاة وبائعي بقايا القهوة والشاي في الزواجات، من أجل غسل أثر العين.
ما أستغربه حقاً هو الكيفيات التي نجمع فيها بين المتعة والخطر. كيف أذهب إلى حفلة لأستمتع، فيما أنا خائف من الذين سأستمتع معهم، لأنهم مصادر محتملة للأذى؟!
ربما تكون أسلوباً مخادعاً لإضفاء الشرعية على العزلة والانفراد والتقوقع. وربما تكون العين آلية صيانة الخصوصية العائلية، كقيمة ثقافية طالعة، في زمن التواصل المكثف الذي يحوّل الفرد مكشوفاً على الدوام. أقصد أن الخوف من العين، وحتى الاتهام بها حيلة ذهنية متوافقة مع الإرث الثقافي نعممها لنبعد الآخرين عن أسرارنا وحكاياتنا وخصوصياتنا. لنتذكر أن التوجس من العين هو الذي يضفي الشرعية على خياراتنا بالابتعاد عن الآخرين والحذر منهم.
هذا في ما يخص العين.. فماذا عن السحر؟
- لقد تحول محاربة السحر إلى هدف رئيس لمؤسسات ضبط رسمية، وحين أتأمل الطريقة التي تقدم بها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذاتها للمجتمع، ألاحظ أن حكاية السحر تمثل لب هذا التقديم. في جناح الهيئة بمعرض الكتاب بالرياض، تقدم الهيئة نفسها بشكل مختلف تماماً عن الصورة الشعبية السائدة، أي مؤسسة تهتم بمراقبة السلوك واللبس وعلاقات الجنسين وإغلاق المحال التجارية أوقات الصلاة. تتحول الهيئة، حين تعرض نفسها، إلى مؤسسة يتمحور نشاطها حول حماية المجتمع من هذا الخطر الغامض المتمكن اللعين الذي يسمى السحر. عبر هذه الطريقة في تقديم الذات تبدو حكاية الحماية من السحر وكأنها البئر الأوفر لماء الشرعية الذي سيمد الهيئة بالحياة والاستمرار والقبول المجتمعي.
كأني بك تقول إننا نخاف من السحر أكثر من اللازم؟
- ليس تماماً، ولكن بدا السحر وكأنه العدو المفتعل الذي تواطأ المجتمع عليه من أجل إدامة مؤسسات بعينها ومن أجل تسويغ خطاب الحذر والخوف. لننظر للكيفيات التي ينظم فيها الخوف من السحر العلاقات داخل البيوت.
حولنا السحر لمعازل عنصرية نضع داخلها الشغالات. الشغالة، هذه المرأة الغريبة القادمة من البعيد والساكنة وسط البيوت، هذا الخطر المتربص، لا يمكننا إدامة اعتقالها داخل منظومة التوجس إلا بفكرة السحر.
ربما أن العاملات المنزليات القادمات من خلفيات متواضعة ساعدن في نشر هذه الخوف، من أجل مراكمة شيء من القوة والهيبة تجاه سلطة السيدات، لذا حرصْن على إعطاء الانطباع بحصولهن على قوة السحر وخطورته. الأمر له علاقة ما بالتنافس على مجالات السلطة داخل منظومة البيت. بالنسبة إلى ربة البيت، فإن العاملة المنزلية بقدر ما هي مطلوبة لخدماتها، بقدر ما هي وجود يذكر بتقلص سلطتها هي على فضاءاته وأهله. بالنسبة إلى العاملة السحر هو الرأسمال، هو القوة الغامضة المخيفة في يد امرأة ضعيفة وحيدة عزلاء. السحر، في هذا السياق، ظاهرة تتغذى عنفوانها من تحولات مجتمعية وخلفيات ثقافية لكل الأطراف.
وجود مثل هذه الظواهر بين أفراد المجتمع.. هل هو هرب من شيء ما؟
- السحر، وكذا الجن، يتمددان في كل المجتمع. إنهما البساط الذي يمكن إخفاء المشكلات والجرائم وحتى الخيبات الشخصية تحته. فالفاسد مسحور والفاشل مسحور والمدعية بالاغتصاب مسحورة ممسوسة. كل هذا الواقع هباء، كل هذه الخطايا كوابيس. لا فساد ولا اغتصاب، فقط سحر وجن ومس شيطاني، ولولا ذاك لكنا «زي الحلاوة». أرأيتِ قوة الفكرة وفاعليتها! وإلا متى خُبِّرنا في التاريخ الإسلامي أن مؤسسات أقيمت لمكافحة السحر؟
قضايا التصنيف
قضايا التصنيف التي نعيشها.. إلى ماذا تعزوها؟
- التصنيف تحوّل مشكلة فكرية كبيرة في المجتمع السعودي. التصنيف السائد اليوم هو: إسلامي- ليبرالي. ألاحظ أن هذا التصنيف أصبح أداة لإعاقة التنمية والتقدم. تحتاج المجتمعات - عادة - إلى نقاشات لتقرر كيفيات التعامل مع مشكلاتها. تتأسس هذه النقاشات على مبدأ شرعية الاختلاف الذي يؤدي بالضرورة إلى شرعية الوجود بالنسبة إلى المشاركين في النقاشات. المفترض أن يتولد عن الاختلافات في الرؤى والنقاشات أفكار جديدة وطرق معالجات جديدة للمشكلات. كل هذا متوقف في حالنا بسبب التنصيف.
هل تعليمنا سيئ؟
- هذه القضية المعقدة أثيرت كثيراً وتُحدِّث عنها كثيراً، لكن التقدم فيها ضئيل جداً، لا يوازي وعينا بعمق المشكلة ولا كمية النقاش حولها. ألاحظ عند النقاش حول هذه القضية أن الخلاف ليس في سوء حال التعليم. ببساطة، لا أحد سيغامر ويقول العكس. سوء مخرجات التعليم أمر تقرره قياسات عدة، لعل أهمها: أداء طلابنا في المسابقات الدولية للرياضيات والعلوم، إذ نحتل المركز ما قبل الأخير، إما بدرجة أو درجتين. لذا تتوافق الأطراف مرغمةً على الإقرار بسوء مخرجات التعليم. لكننا لم نقدر على إدخال حلول جذرية على الأمر. بل إن الأمر يدور في حلقة مفرغة منذ أعوام طويلة.
لماذا هذا التيه والتراجع؟
- ذلك بسبب التصنيف الذي تحدثتُ عنه في السؤال الذي قبل، فبمجرد صياغة قضية إصلاح التعليم بلغة إسلامي-ليبرالي انتهى المحتوى التقني لإصلاح التعليم وحل محله المحتوى السياسي، أي صراع التيارات. لم يكن لخلل خطير جداً وذا تأثير مباشر على مستقبل أجيالنا كهذا أن يتجمد ويقاوم الإصلاح لولا أنه تم تقديمه للمجتمع كقضية إسلامي-ليبرالي. كل ما عليك أن تنجح في جعل أي قضية تُرى بهذا الشكل وستنجح بتجميدها.
إصلاح التعليم
إذنْ.. كيف السبيل إلى إصلاح التعليم؟
- التعليم يحتاج إلى إصلاح، لكن هذا الإصلاح يوجب أموراً كثيرة، على رأسها تغيير حمولة المواد، أي إعطاء وزن أكبر لمواد الرياضيات والعلوم. وهذا لن يكون إلا على حساب الأوزان المعطاة لمواد التربية الإسلامية. عند هذه النقطة يجري تعليب النقاش بوصفه مؤامرة على الهُوية الدينية للأمة، عند هذه التعليب تنجح عملية هبوط مركبة المحاججة على المخزون الثقافي-الديني للمجتمع الذي لا يرضى بالمس بالدين ومكتسباته، عند هذا الهبوط تتجمد عملية الإصلاح.
هل تتوقع أنه سيأتي يوم وتنتهي هذه الحاسابات التي تعوق المسيرة الإصلاحية؟
- في زمن مقبل، ليس بعيد، سندرك أننا لعبنا بمستقبل الأجيال، بتحسين قدراتها التعليمية والفكرية من أجل انتصارات تافهة على هذا الخصم أو ذاك. قلتُ: «تافهة» وأصر عليها. فأنا أعمل في التعليم الجامعي وأعي ما أقول. يأتي الطالب بعد 12 سنة من التعليم العام عاجزاً عن الوصف، الكتابي وليس اللفظي، لأي ظاهرة عفواً عن أن يقدر على تحليلها وعزل عواملها وأسبابها عن نتائجها. عاجز عن كتابة صفحة واحدة من
المحاججة والجدل. لا أصدق أن للتصنيف كل هذه الطاقة التي تمكنه من منعنا من تحسين فرص أولادنا. لم يعد التصنيف اعتداءً على الفرد فقط، بل تحول آلية لمنع نمو المجتمع.
المثقفون ورجال الدين
هل ترى أن هناك حرباً خفية بين المثقفين ورجال الدين؟
- هذا أمر تسهل ملاحظته، لكني أحب أن أوسع من الأمر قليلاً. حين أقول: «المثقف والشيخ»، فإن الشيخ في هذا السياق لا يمثل العالم الشرعي فقط، بل كل الأدوار الموكلة «للمثقف» التقليدي، بما في ذلك الرقية الشرعية والطب الشعبي وغيره. أيضاً المثقف سيمثل أكثر مما يتبادر إلى الذهن عمن هو المثقف. إنه ليس فقط الأديب (شاعراً وقاصاً وروائياً وناقداً...) والمفكر والمهتم بالشأن العام، بل يضاف إلى هؤلاء تلك المجالات المعرفية والمهنية التي بدأ العلم الحديث ينزعها من «الشيخ» ويحولها إلى المتخصصين بعلوم النفْس والاجتماع والقانون والتمويل والسياسية.
وفقاً لهذا التقسيم، سيصبح الطبيب النفسي (عبدالرزاق الحمد أو طارق الحبيب مثلاً) والمتخصص بالتمويل (حمزة السالم مثلاً) والمتخصصة الاجتماعية بقضايا العنف الأسري وهروب الفتيات (نورة الصويان مثلاً) عينات على متخصصين «ينافسون» الشيخ على مجالات كان إصدار المقاربات المعرفية الملائمة فيها مجالاً محتكراً له وحده. تنافُس الراقي والطبيب النفسي جزء من هذا الصراع وهذه الحرب.
ما موقفك الشخصي من هذا الصراع أو الحرب الدائرة بين النخب؟
- أنا لستُ بقادر على الترفع عن التحيز. منحاز أنا للمثقف-المفكر-الأديب. لكن إن جئنا للمثقف-الممارس (مثل الطبيب النفسي والراقي مثلاً) لديّ أسباب لرؤية نقاط تفوُّق للراقي على الطبيب النفسي. ربما أن الراقي يشارك المريض في تصوراته حول مسببات المرض. الطبيب النفسي يستعمل منهجاً مختلفاً يجعل التواصل بينه وبين المريض صعباً.
في كل الأحوال هذا الصراع - أو الحرب بتعبيرك - هو في النهاية صراع على مصادر الحقيقة وطرق الوصول إليها. يُنتظر أن تنحسر مجالات الشيخ كلما تحدث المجتمع. تنحسر ليس لتنتهي أو تذوب، بل لتكون داخل المجال الروحي وعلاقة الإنسان بربه، بدل علاقته بجسده وذاته ومجتمعه. هذا التحول سيكون في مصلحة العلم الشرعي، إنه سيزيد من الحمولة الروحية فيه، إذ يُنتظر من إنسان المجتمع الحديث أن يحتاج إلى الجانب الروحي موازياً للجانب العقلي الصارم الذي تنتظم على أساسه الحياة الحديثة.
أطفالنا بعيدون عن الثقافة العامة.. أين الخلل؟ هل هو في المدرسة أم في مؤسسات المجتمع؟
- ببساطة، الخلل في الثقافة. تحديداً، في الطريقة التي نرتب فيها المهم من المعارف والفنون للشخص وغيره. ثمة وعي سائد منتشر يقوم على احتقار هذا النوع من المعارف المتعلق بما يسمى بالفنون الرفيعة، التي منها الرواية والفنون التشكيلية والمسرح والباليه. باستثناء الرواية، الأصناف الثلاثة الأخرى مختفية، وحتى الرواية، لا يخلو وجودها من إشكال. تشكل هذه الفنون «البنية العقلية التحتية» للمعرفة، إن صح التعبير. حين يسود تقدير لها، تزدهر المعرفة المكتوبة باعتبارها مكوناً ثميناً من مكونات الرأسمال الرمزي للفرد. الترتيب السائد لمكونات الرأسمال الرمزي يستبعد هذه الأنواع من المعارف.
ألا تشعر أن البعض يتوجس من تنوع قراءات الأفراد الثقافية؟
- بالتأكيد، أذكر إجابة أحد أقطاب المد الصحوي في ثمانينات القرن الماضي عن رواية «الشيخ والبحر» لآرنست هيمنغواي. الإجابة كانت: «رواية تافهة تباع بأربعة ريال»، الرواية من عيون الأدب العالمي على مدى ال50 عاماً الماضية. لم يكن ثمة وجل أو حذر بوصفها بالتفاهة.
لنأخذ مثلاً آخر.. يوجد في صالات الانتظار في المستشفيات والعيادات الطبية وغيره أرفف لا يمكن أن يوجد فيها دوايين شعر أو سير ذاتية أو مجموعات قصصية أو روايات أو حتى أطالس جغرافية ومعاجم علمية. كل ما هناك منشورات وعظية فقط. المقاهي الحديثة، تقدم الصحف اليومية، لكنها لن تقدم الكتب، وهو ترتيب متبع في المقاهي الحديثة في بلدان كثيرة. هذا الأمر، يتمظهر بصور أخرى. الخوف والريبة من المثقفين والمفكرين والفنانين.
لماذا الفعاليات الثقافية تلقى ممانعة وتحذيرات مختلفة من شرائح الصوت العالي؟
- كتبتُ مقالات عدة أرصد فيها ردود القراء على فعل أو قول يتم بقصد التحذير من «المثقفين»، مثل أمر النادي الأدبي بالقصيم بسحب بحثين عن القصيمي ومنيف أو هجوم صالح الشيحي على ملتقى مثقفين في الرياض. ألاحظ في ردود الفعل المجتمعية أنها تشجع بحماسة هذه الإجراءات. ثمة شعور عام بأن الفكر والمفكرين والثقافة والمثقفين خطر لا بد من التعامل معه بحذر شديد. إنهم مظنة الزلل ومنبع التهديد للإجماع.
هل لهذا الشيء تأصيل في علم الاجتماع؟
- هذه حال معروفة في أدبيات المعرفة تسمى «المجتمعات المضادة للفكر». جزء كبير من هذه الروح «تغرف» من الخوف، الخوف مما هو مجهول. المجال الفكري والثقافي مجهولة عوالمه، إذنْ هو مظنة الحذر والخوف. المسألة ربما تختص بقضية الفراغ والامتلاء. المجال الجمالي والروحي مليء بشكل لا نحتاج معه إلى أن نحوّل القراءة سلوكاً يتمدد خارج ما هو ضروري وفي مجالات معرفية معينة. لكن، ربما تلعب وسائل الاتصال الجديدة دوراً «ثورياً» في هذا السياق. فالرسائل النصية والواتس آب والتويتر والفيسبوك. هذه إعادة تعيين ل«حواس التواصل»، إن صح لي أن أقول، فكل هذه الوسائل تعمل عبر العين لا الأذن. هذا التغيير في الحواس المستعملة للتواصل يفترض أن يفضي إلى تعويد أكثر للقراءة في سلوكنا اليومي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.