لم تكن تجيد غير التحديق في الفراغ.. استمرأت التطلع إلى داخلها وكأنها تستعد لتأمين ما لا تراه.. تتوارى في داخل تفاصيل صغيره لا يراها الرائي.. ولكنها كانت بالنسبة لها كافية لتأمين أفق مفتوح تؤلف داخله جداول وأنهاراً.. في التفاصيل الآمنة بدايات تلمع دون أن تحسب حساباً لأي شيء .. كفه كانت مفتوحة.. وعليها أن تقرأ ما تشاء.. وإن أخفقت فالقانون لا يحمي المخفقين.. تحولت قراءة كفه إلى مصدر إلهام.. يحث على الحلم.. ويمنح القادم البقاء ضمن دوائره.. اقتربت لا لتقرأ كفه فقط وهي التي لم تعتد قراءة الكفوف.. ولم تجدها.. ولكن اقتربت لأن الضوء كان طاغياً فدفعها إلى التقدم، لأن من طبيعة الإنسان الميل إلى الظلام. بقدر ما تستطيع وبتروّ تقدمت.. ليس بخطاها فقط، ولكن بقدرته على صياغة الرؤية لها.. وتسريب تذاكر شراء خطوات التقدم مجاناً.. تقدمت بخطى، ما تلمسه تحت قدميها يتجانس مع ما يهبط عليها من دفء مضيء، وملامح تختزل نثارها في قادم غامض لا تعرف من أي نقطة ستهب أمواجه.. في الطريق شعرت أن الرياح القاسية التي اعتادت أن تختار متى تهب توقفت بل منحتها تأشيرة الهجرة وبوصلة التقدم الآمنة وكأنها تتضامن معه لتشكيل إرث الأيام القادمة.. في كفه قرأت ما لا يمكن تفسيره.. وما هو عليها أن ترثه، بعد أن اورثتها خطوط كفه الأيام القادمة.. قرأت أن الوقت الذي عبر وانحسر في الحرب الباردة عليها أن تطوي صفحته، و.. قرأت تلك الغيوم التي توحي بالمطر بدت أيضاً المسافة بين ما ينبهما صغيرة ومحدودة.. تلوح إشاراتها بالإخضرار وهو يحاول أن ينتزع منها الإذعان للانطلاق.. لم تستغرب في كفه ذلك الخط الذي يناهض توقفها.. وتلك التفاصيل الغنية بالإنسانية.. بداخلها ميل مستجد بقوة لتاريخه الأساسي الذي يفيض بالايجابيات.. صادر لحظتها.. وتمسكت هي بلحظة الإصرار والتقدم كاسرة تلك المنطقة الرمادية التي أربكها البقاء داخلها.. هناك في تلك الصورة التي تكمن داخلنا اسئلة لا تسأل.. وأشخاص نختارهم، ويختاروننا بتقرير الظروف والملابسات، والأحداث. وأفق مفتوح يستهوينا ونندفع داخله بدهياً بأكبر قدر من الرغبة في عدم تأويل ما سيكون، أو احتمال الصعوبات التي قد تدفعنا في السير على حد السيف. ليس بوسعها وهي تقرأ كفه انتزاع ضمانات المستقبل.. أو القفز لصياغة بنود مستعجلة.. فقط امتلكت إحساس التسكين داخل ذلك المسار اللاممانع والذي أشرع أبوابه لتنطوي هي داخل خطوط كفه وكأنه تتويج لذلك المسار.. ترك لها مسؤولية الفهم.. ومسؤولية ما سيأتي من أقصى الزاوية إلى أقصاها.. ترك لها مسؤولية شطب بند توازن القوى بتواضعه الساحر، وأضواء حضوره الكاشفة.. مثل غمامة من الندى حيثما وحينما يحضر.. فتح لها تلك اللحظة من العمر «الحدث» تحول فيها ما تريده إلى مسار للتاريخ.. يطبق فيه الحلم شروطه.. وتذرب وتفيض شوارعه بحضوره المبهج.. فاضت البحار.. وذابت الأرض.. لحضوره.. وهي لم تعد تكتفي بقراءة كفه.. وتستكين في الأمان وتمنحه تفويض بقائهما معاً. لم تعد تناقش ما سيكون.. فقط اكتفت ليس بمناقشة تفاصيل «البقاء» ولكن بانتفاء «السيادة» لكل منهما لأنها لم تعد ضرورة.