اختتام "مهرجان الكتاب الثاني" بنادي الشرقية الأدبي    أمانة الشرقية تختتم مشاركتها في المؤتمر الخليجي لتنمية الموارد البشرية    جمعية إسناد تقيم حفل ختامي لمستفيدي مراكز الرعاية والتاهيل    دول العالم تفشل في التوصل إلى معاهدة بشأن الاستعداد للجوائح    الاتفاق يستأنف تحضيراته بتدريب استشفائي بعد مباراة الشباب    تتويج نادي أبها ببطولة الدوري السعودي الرديف للموسم 2023-2024    «موديز» تؤكد تصنيف المملكة الائتماني عند «A1» مع نظرة مستقبلية «إيجابية»    من المسؤول ؟    الدفاع المدني يتيح خدمة تمديد مدة التراخيص عبر منصة "أبشر أعمال"    بوتين يدعو إلى إجراء مفاوضات مع أوكرانيا    مصر تكثف كشف الغموض عن جثث ثلاث فتيات بالصحراء    سيميوني: ريال مدريد هو الأفضل في العالم    وفد "شوري" يلتقي وزيرة التكامل الأفريقي والخارجية السنغالية    وزير الرياضة يبارك للهلال تتويجه بلقب دوري روشن    رئيس مجلس الشورى يصل الجزائر    القصيبي: فرق «مسام» انتزعت أكثر من 450 ألف لغم وعبوة ناسفة    رسميًا.. المملكة تتسلّم ملف استضافة المنتدى العالمي ال( 11) للمياه    شرطة القصيم: القبض على مقيم سوري لابتزازه فتاة    برئاسة وزير الخارجية.. وفد «الوزارية العربية» يؤكد أهمية قيام الدولة الفلسطينية على حدود 1967    فعالية منوعة في يوم البحث العلمي ال 13 بصيدلة جامعة الملك سعود    اجتماع دوري لتراحم القصيم    جامعة الملك خالد تحقق المركز 111 بين الجامعات الشابة في تصنيف التايمز العالمي 2024    ضبط مواطنين بنجران لترويجهما مادة الإمفيتامين المخدر    ولي العهد يعزي رئيس السلطة التنفيذية بالإنابة في إيران بوفاة الرئيس ووزير الخارجية ومرافقيهما    «هيئة الطرق»: 10 طرق تربط الدول المجاورة بالمشاعر المقدسة    حلقة نقاش عن استعدادات الرئاسة لموسم حج 1445ه    مدير عام هيئة الأمر بالمعروف بنجران يزور محافظ شرورة    أمطار رعدية على أجزاء من 4 مناطق    «الأحوال المدنية»: منح الجنسية السعودية ل14 شخصاً    خطيب الحرم: أمن الحرمين خط أحمر ولا شعارات بالحج    الآسيوي يعلن إدماج سجلات بطولات الأندية    المملكة توقع 16 اتفاقية ومذكرات تفاهم مؤتمر مستقبل الطيران 2024    كوادر سعودية ترسم السعادة على ضيوف الرحمن الأندونيسيين    موقف مالكوم من مواجهة الهلال والنصر    بيريرا: سأجتمع مع إدارة الشباب لمناقشة مستقبلي    البليهي: تفكيرنا الآن في مباراة الوحدة.. وننتظر الجماهير غدًا    اللجنة الوزارية تنقل أزمة غزة إلى باريس    واتساب يختبر ميزة لإنشاء صور ب"AI"    دار طنطورة.. التراث والحداثة بفندق واحد في العلا    "العلا" تكشف عن برنامجها الصيفي    المخرجة السعودية شهد أمين تنتهي من فيلم "هجرة"    تحذيرات علمية من مكملات زيت السمك    خريجو «خالد العسكرية»: جاهزون للتضحية بأرواحنا دفاعاً عن الوطن    متى القلق من آلام البطن عند الطفل ؟    قد لا تصدق.. هذا ما تفعله 6 دقائق من التمارين يومياً لعقلك !    5 أطعمة تعيق خسارة الوزن    «رحلة الحج» قصص وحكايات.. «عكاظ» ترصد: كيف حقق هؤلاء «حلم العمر»؟    السلاحف البحرية معرضة للانقراض    الدكتوراه لفيصل آل مثاعي    نمو الجولات السياحية ودعم الاقتصاد الوطني    «الثقافة» و«التعليم» تحتفيان بالإدارات التعليمية بمختلف المناطق    سفارة المملكة في إيرلندا تحتفي بتخرج الطلبة المبتعثين لعام 2024    الاستثمار الثقافي والأندية الأدبية    تنوع أحيائي    فيصل بن خالد يرأس اجتماع الجهات الأمنية والخدمية المشاركة في منفذ جديدة عرعر    دفعة جديدة من العسكريين إلى ميادين الشرف    أمير حائل يشكر جامعة الأمير محمد بن فهد    برعاية الأمير عبدالعزيز بن سعود.. تخريج مجندات بمعهد التدريب النسوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلميون والكتابة الإبداعية...!!
نشر في الرياض يوم 02 - 09 - 2013

التأليف قد يقوى عليه باحث متخصص، إلا أن الكتابة الإبداعية شيء آخر هي رهن إشعال الأحداق بوميض خارق يتجاوز علاقات المعرفة وإعادة إنتاجها وتوصيف عناصرها إلى مستوى الخلق الجميل الذي ينبثق من رماد الاحتراق الداخلي والانصهار الذاتي
الكتابة الإبداعية حالة إنسانية بالدرجة الأولى، تتحرك بتأثير موهبة كامنة في الذات، وهي تتأثر بالعديد من المؤثرات الذاتية ومصادر المعرفة والجو العام والتجربة ومستوى الحرية وأنماط الثقافة الاجتماعية المهيمنة والعناصر المحفزة والتقدير الكامن والمعلن لهذه المواهب والقدرات.. وقد تتطور تلك المواهب لمستوى أن تؤكد ذاتها في مجال كتابة إبداعية أيا كان نوعها أو مستوى انشغالاتها أو تضمر وتتراجع وتنزوي، فالمواهب تتعطل وقد تموت إذا حرمت المداد الجميل الذي يقوى على إشعال عناصرها الكامنة بمقومات الحضور والبقاء.
هناك قدر من الالتباس في المفاهيم بين العلم والإبداع. العلم مجال تخصصي يجري على العلوم الطبيعية والإنسانية كما هو ذو صلة بعلوم أخرى لها علاقة بالإبداع كالأدب واللغة والفنون.. إلا أنه ليس كل متخصص مبدع وليس كل مبدع بالضرورة هو من المنشغلين بعلم أو تخصص حد الاستغراق.
أن تتسع دائرة الكتابة الإبداعية لتطال أطباء ومهندسين ومتخصصين بالعلوم الطبيعية ليست ظاهرة لافتة ولا تدعو للغرابة والتعجب سوى في عقول لم تبرح بعد مجال التخصص الدراسي ومستوياته، وربما لا تشعر بأن الاحتباس داخل قمم التخصص لمن يملكون المواهب والقدرات في مجالات أخرى هو حبس قسري لروح الإنسان التي تعانق اهتماماتها وميولها بما يتجاوز تخصصها الدراسي أو نشاطها المهني، الذي قد تبرع فيه وقد يبقى في إطار المهنة وحدودها وانشغالاتها.
ولو انهمكنا في تعداد أسماء عرب وغير عرب ممن عملوا في مهنة كالطب أو الهندسة أو غيرها من التخصصات العلمية، وبرعوا في الكتابة الإبداعية فلربما استحق الأمر حيزاً أوسع لا مقالاً عابراً ... خاصة وأن كثيراً من هؤلاء أصحبوا كتاباً مميزين يحظون بحضور لافت واعتراف مشهود. إلا أن الرؤية الضيقة للبعض لحدود التخصص وانغلاق مفاهيم الإبداع قد ترى في هؤلاء طارئين على هذا النوع من الإبداع في حقل لا يعد من اختصاصهم، وهي تطالع من ثقب التخصص الضيق، وتتجاهل رحابة الإبداع بعناوينه الكبرى، التي لا تخضع للدرس أو التلقي ولكن للمواهب والعناصر التي تتخلق فيها الروح المبدعة ناهيك عن القدرة الفردية الموهوبة على تطوير أدواتها المعرفية والفنية واستغراقها في مجال مفتوح وليس علماً موصداً ويتطلب تأهيلاً خاصاً ودقيقاً. إنها حالة لا تستوجب الدهشة قدر ما هي مسألة طبيعية جداً تنسجم مع روح المبدع وثقافته وميوله وقدراته مهما كانت مهنته ومجال تخصصه.
أما العلاقة بين التخصص المهني والإبداع فستظل محل استشكال، فليس كل متخصص مبدع وليس كل مبدع رهن علاقة التخصص وحدوده ومساراته. استجلاء تلك الحالات التي لم تتوقف عند تخصص علمي، وإنما أبدعت في جانب معرفي آخر أو قدمت أعمالاً إبداعية في فن مجاله واسع التعاطي، وحدوده لا تخنقها علاقات التخصص، يكشف أن العلاقة الشرطية غير ثابتة أو متحققة بين التخصص والإبداع.
هناك حالة دهشة تأخذ البعض وهي تتكرر كثيراً من مشهد طبيب أو مهندس أو باحث في مجال دقيق متخصص عندما يقترب من قضايا ينبري لها عبر رؤية ثقافية بعيدة عن مجاله الدراسي والمهني، إلا أنها تكمن في عمق وعيه المعرفي. لتبدأ حينها حسابات التخصص الضيقة ومحاولة محاصرة الفكرة عبر استدعاء التاريخ العلمي لا الوعي المعرفي لمطلقها.
ولا يختلف هذا بحال - إذا لم يكن أكثر إيغالاً في الوهم - عن رؤية متخصص في مجال العلوم الطبيعية ممن يرى أن الاهتمام بالسجالات الفكرية والثقافية، أو إعادة قراءة الأفكار الضاربة في جذور وعي المجتمع وتكوينه، أو الانشغال بالقراءة التحليلية للمكونات الثقافية إلى مستوى البحث في هذه المكونات.. إنما هو ضرب من الانهماك في ثقافة الكلام التي يزدريها، عوضاً عن التوجه نحو العلوم والتقنيات، لأنها هي مقومات ورافعات النهضة والصعود والتقدم والتنمية وما عداها إنما هو هباء وضياع وانهماك فيما لا جدوى ولا قيمة ولا أثر له.
رؤيتان تعززهما مناطق الفصل بين العلم والإبداع، بين التخصص وفضاء المعرفة الرحبة، بين الدراسة المنشغلة بالتفاصيل الصغيرة والثقافة العابرة لحدود التخصص، بين ملامح المثقف وبين قيود التخصص.
ليس كل عالم ومتخصص هو حالة إبداعية قابلة لإنتاج عمل مبدع خلاق. وهو يمكن أن يصل إلى أرفع وأدق مستويات التخصص، وقد يكون مبرزاً في مجاله وتخصصه، إلا أن هذا لا يعني انه يعبر عن حالة إبداعية. الإبداع له سمات أخرى ودلائل أخرى ومؤشرات أخرى.
الإنجاز العلمي في مجال التخصص هو تميز وإتقان بالدرجة الأولى، ولا يعبر عن حالة إبداعية إلا في حالات تتجاوز دوائر المعرفة المستقرة والتي يشتغل ضمن إطارها الدارس المتخصص، وهي مرتبطة بقدرة الباحث على القفز نحو أفق غير مطروق تعبر عنه نظرية علمية جديدة لها مقومات التجريب والتحقق أو اختراع أو ابتكار جديد مرتبط بدائرة العلم، ولكنه متجاوز لتحسين السائد لمستوى القفزة النوعية في مجاله ومعالجاته.
وإذ ليس من محددات الإبداع كثرة الإنتاج والتأليف، فالتأليف قد يقوى عليه باحث متخصص، إلا أن الكتابة الإبداعية شيء آخر هي رهن إشعال الأحداق بوميض خارق يتجاوز علاقات المعرفة وإعادة إنتاجها وتوصيف عناصرها إلى مستوى الخلق الجميل الذي ينبثق من رماد الاحتراق الداخلي والانصهار الذاتي تدعمه وتحرضه موهبة كامنة تتحرك وهي تعلن عن نفسها بلا مواربة.
وكما أن للكتابة الإبداعية مستويات ليس إطارها الإبداع الأدبي وحده. وليس من مقوماتها فقط كثرة الاطلاع والقراءة. فهناك من يقرأ كثيراً لكن يعجز عن تقديم رؤية تحليلية في نص قرأه للتو. ملكة التحليل تقترب من ملكة إنتاج النص، فكلاهما إبداع يستحق التوقف عنده.
ذهنية التخصص تسيطر على بعض النقاد عند قراءتهم لنص يتجاوز حدود وعلاقات التخصص. وهذا يمكن اكتشافه عندما يقترب ناقد أدبي من نص كتبه عالم متخصص في فرع من فروع المعرفة البعيدة عن الأدب، انه يحاول بشق الأنفس أن يربط دلالات النص بالتخصص، وكأنه لا يريد أن يبرح علاقات التخصص وحدوده.
مفهوم الفصل بين التخصصات في العهود البعيدة إبان نهضة العرب والمسلمين العلمية لم يكن معروفاً أو معهوداً. فالطبيب قد يكون فلكياً أو فقيهاً وقد يكون منشغلاً بعلم أو فن آخر. وربما يكون الانشغال بأكثر من فن لمحدودية العلم ...وقد تأتي بعض الاستشهادات الشعرية باردة وباهتة، وكأنها محاولة طبيب أو حكيم عربي قديم للاقتراب من فن لم يخلق له، إلا أن الشعر جزء من ثقافة العرب وديوانهم الأشهر، فالعرب أمة شاعرة، وليس بالضرورة أن يكون إلهاماً أو حالة إبداعية خاصة.
التخصصات وتفريعات التخصصات التي طالت الأدب والعلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية صنعت جزراً معزولة بين المعارف بدواعي التخصص، وهي وإن كانت لها حضورها وتاريخيتها ومقوماتها في قضايا العلوم الطبيعية والتجريبية التي تتطلب معرفة واسعة وإلماماً دقيقاً ودراسة متخصصة حتى في فروع التخصص ..إلا أنها ليست أبواباً مغلقة في مجالات أخرى خاصة ما يطال منها الكتابة الإبداعية التي يمكن تطوير ملكاتها طالما تحرك هذا الكامن الجميل معلناً عن نفسه... وسواء انتمى صاحبه لفئات العلميين المتخصصين أو الأدباء المسكونين بقلق الوافدين الجدد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.