وصلتني رسالة من مركز عاصمة الولاية التي أدرس بها في الولاياتالمتحدةالأمريكية تفيدني بأن علي الذهاب إلى مركز استخراج الرخص ليقوموا بإعادة تقييمي إن كنت جديرا بالقيادة أم لا، وذلك لكثرة المخالفات التي احتسبت ضدي. وقبل أن تتسرع بالحكم علي وتصنفني من ضمن الشباب السعودي -الطائش- الذي يقطع الإشارات الحمراء، ويقوم بعملية دوران يسارية من أقصى اليمين، ثم يجعل من كتف الشارع صدراً له يسير به بسرعة تتمنى بسببها السيارة أن لو لم تكن قد خلقت.. أقول قبل أن تحكم علي بكل ذلك -ولك كل الحق إن كنت قد سرت بأحد طرق الرياض لنصف ساعة- دعني أبين لك ما هي المخالفات التي حصلت عليها واستحقت ذلك الاستدعاء. منذ أن قدمت إلى أمريكا عام 2006 تحصلت على ثلاث مخالفات هنّ كالتالي: * عام 2006: كنت أقود السيارة بسرعة 40 ميلا في شارع سرعته المحددة 30 ميلا. أوقفني رجل المرور للعشرة أميال التي استمتعت بها، ومخالفة سرعة. * عام 2007: كانت الساعة قرابة الواحدة فجراً، وكنت أسير في شارع فرعي لا يوجد به مخلوق واحد في ذلك الوقت، وصادفتني لوحة “قف” -كالتي كنت تشاهدها في (الأمن والسلامة)- فخففت من السرعة إلى قرابة الوقوف وتأكدت من عدم وجود أي مركبة أو عابر للطريق ثم واصلت بالقيادة لأتفاجأ بالأنوار العالية لسيارة الشرطة من خلفي تطلب مني الوقوف -على جنب-. بالطبع أوضح لي رجل المرور أن علامة “قف” لا تعني “تقريبا قف”! عام 2009: كنت مسافرا وأسير بسرعة 70 ميلا. بعد 8 ساعات من القيادة، ونصف ساعة للوصول إلى مدينتي دخلت إلى إحدى القرى القاطعة للطريق ولم أخفف من السرعة حتى توافق السرعة المحددة ليكون رجل المرور أول المهنئين بسلامة الأسفار ومعها مخالفة شكر وتقدير. كانت تلك هي المخالفات الثلاث. والتي بالمناسبة كانت تعطى إلي بكل احترام وأدب من رجل المرور، وكانوا جميعهم يختمون قولهم بأن من حقي أن أرفضها وبأن أمثل أمام القاضي وأوضح له كيف أخطأ رجل المرور ولماذا لا أستحق المخالفة. عموما، ذهبت في الموعد المحدد إلى مركز استخراج الرخص ووجدت الموظف المسؤول بمقابلتي بانتظاري. رحب بي وأدخلني إلى مكتبه، ثم أجلسني على الكرسي المقابل له وقال لي: الآن أخبرني عن قصة كل مخالفة. أخبرته بما ذكرته لكم أعلاه وكيف أنني كنت وما زلت سائقا مطيعا لأنظمة المرور ولكنها الهفوات الصغيرة التي توقع بي. نظر إلي وسألني: فيمَ تستخدم السيارة؟ فأجبته بأنني أستخدمها للذهاب إلى الجامعة وفي شراء طعامي وحاجياتي الخاصة. فقال لي: حسنا سنلغي رخصتك الحالية وسنعطيك رخصة مؤقتة تخولك بالقيادة إلى الجامعة فقط! ولك في يوم السبت فرصة من الساعة السابعة والنصف صباحا حتى الخامسة مساء للتبضع. نظرت إليه متفاجئا مصدوما وأجبته بسرعة: ولكنني أعزب! ويبدو أنه لم يفهم ما علاقة حالتي الاجتماعية بقيادة السيارة، فأوضحت له بأنني أعزب ولا أطبخ بالبيت فكيف لي أن أعيش بدون طعام؟ أعتقد أن إجابتي كانت مفاجأة له من نواحٍ عدة. على كل حال رأف بي الموظف المسؤول وأخبرني بأنه سيسمح لي بالقيادة من ال7:30 صباحا حتى ال9:30 مساء لكل أيام الأسبوع. أخذ رخصتي وقطعها وأرجعها إلي، ثم أعطاني ورقة توضح بأنني مخوّل بالقيادة بالفترة المحددة ولمدة ثلاثة أشهر إذا لم أحصل خلالها على مخالفة أخرى فسيتم إعطائي رخصة جديدة بدون مقابل. ثم ختم كلامه بأن من حقي الاعتراض على حكمه عند القاضي. بدأت أتساءل لم يتلهف القاضي هنا على رؤيتي بينما هناك قد يطردني لأنني لم أضع على رأسي غترة؟ طردت تلك الأفكار الشيطانية، وخرجت من مكتبه وبيدي تلك الورقة ورخصتي المقطوعة.. وقد.. كنت .. سعيداً! نعم مع تقييد حريتي في القيادة إلا أنني شعرت بأن هذا ما قد أحتاج إليه. قد لا أعد نفسي متهوراً طائشاً، ولكن تلك الأمور “البسيطة” التي أتجاهلها قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه. ثم إن الجانب الآخر من سعادتي هو شعوري بأنني أسير مع التيار. فكما يقف من هو أمامي عند إشارة “قف”، أقف أنا من بعده. وعندما أقود في حدود السرعة القانونية لا أعتدي على حق أحد أو أجد من يضايقني لأفسح له الطريق ليسير بسرعته العالية. يتفق الرقم الذي أراه في عدّاد سيارتي مع رقم عدّاد السيارة التي بجانبي مع الرقم الذي أراه في لوحة السرعة القانونية. نعم هو “التناغم” الذي أفتقده في بلدي.