في البدء كان «قصر نجمة» مجرد مجمع مدرسي كبير يضم «ثقيف الثانوية».. و«دار التوحيد» و«المتوسطة الأولى».. وملعب كرة قدم.. و«بئر» ببرج مسلح عالي.. و«برك» تقليدية لخدمة «ري» مساحات الأرض المزروعة ب «البرسيم» و«الفجل» و«الكراث». أحكم قفل باب البئر.. حتى لا يقوم الطلبة بالنزول إليه عبر الدرج الدائري «الخطر» الذي يصل «هبوطاً» إلى الماء.. وتم وقف ضخ الماء ل «البركة» ومات الزرع تحت أقدام الأعداد الكبيرة من الطلاب الذين ينتشرون في مساحات «البستان» في أوقات متفاوتة من النهار. بعد قليل زاد عدد الفرق المدرسية التي استثمرت الملعب ب «العرض» ليصل في حصص الرياضة لأكثر من ثلاثة فرق. في نحو عام 1379 - 1380ه انتقل مبنى ثقيف الثانوية لوادي «وج» وهبت وزارة المعارف لرعاية الأنشطة الرياضية بطريقة لا أعتقد أنها تكررت بعد ذاك مطلقاً.. تم تخطيط مضمار خاص بألعاب القوى حول ملعب القدم على أسس دولية لا ينقصها ولا حتى «الحفرة» الخاصة بالقفز الطويل والعالي.. ولا تلك الخاصة بالقفز ب «الزانة». وبدلاً من ملعب كرة طائرة واحد.. أزيلت بركة الماء.. وتم تخطيط أربعة ملاعب.. وخمسة ملاعب لكرة السلة مبلطة ومخططة.. وملعب كرة يد مزدوج يتحول لملعب تنس «أرضي».. وتم غلق الباب الخارجي بسلسلة حديد وقفل مفتاحه مع حارس «صومالي» يغلق الباب بعد خروج آخر طالب «بعد الظهر» ولا يفتح «عصراً» إلا في حال وجود نشاط رياضي عام. عيال حارتنا عبروا عن احتجاجهم على غلق باب «القصر» ومنعهم من الدخول واللعب بطريقة خاصة جداً.. جداً.. فلا أحد يصدق أن السبب في إعادة فتح باب نجمة على مصراعيه هم أطفال تتراوح أعمارهم بين «السادسة» و«العاشرة» فقط لا غير. كان أولئك هم الأولاد الذين تقع منازلهم أو على الأصح «الصنادق» التي يسكنونها بمحاذاة الجدار الأسمنتي العالي الذي يكمل الثقافة حول المبنى.. ولأن تسلق الجدار بالنسبة لأطوالهم وأعمارهم شبه مستحيل.. فقد قاموا بفتح باب على طريقتهم. ما هي المعدات التي استخدموها.. لا أحد يدري..!! كم استغرقت منهم عملية حفر الجدار.. قبل أن يتمكنوا من فتح ممر يكفي لمرور «بعير»!! ومن حرصهم على العمل بدأب وصبر في أبعد نقطة عن البوابة الرئيسة بحيث لا يمكن أن يصل إليهم «الحارس الصومالي» أو حتى فريق من «الشرطة» إلا بعد أن يكون قد اختفى آخرهم.. وفي أحسن الأحوال لم يتنبه الحارس الذي كان دائم الجلوس في الظلال بالقرب من البوابة إلا على الأصوات المتسربة من الداخل.. وما أن أكمل فتح السلسلة ونظر حتى وجد أكثر من نصف عدد أولاد «جبل الجبالي» وهم - كثيرون جداً - داخل «الحوش» يمارسون لعب رياضاتهم المختلفة.. بل إن بعضهم تسلق وجلس على حافة السور الخطر على «البئر». قامت الإدارة المدرسية بإعادة غلق «الممر» أكثر من عشر مرات.. وفي كل مرة كانت عملية إعادة البناء تصمد حتى يكتمل ذهاب العمال.. وأحياناً طوال ذاك النهار.. لكن أن تشرق الشمس حتى يكون فتح «الممر» قد اكتمل.. وعندما تعب أولاد حارتنا من لعبة القط والفأر بين بناء وهدم قاموا بمصادرة «الطوب» والحصى وبقايا الرمل والأسمنت وكل ما يمكن أن يساعد في إعادة البناء.. ولم تجد محاولات «الصومالي» الذي كان يستوقف أي «أب» من آباء أبناء الحارة ليتهم «عياله» بأنهم أصل «المشاكل» ويتوعد برفع شكوى فيهم لأمير الطائف «ابن معمر».. ولم يهتم الأولاد بتهديدات آبائهم بالعقاب في حال تفكيرهم «مجرد تفكير» في الاقتراب من سور قصر نجمة. ولم تبالغ إدارة التعليم في «العناد» فبعد كل المحاولات اكتفى مدير التعليم الأستاذ عبدالله الحصين ونائبه الأستاذ سعد عبدالواحد بالمرور ب «سياراتهم» من أمام ساحة الحارة حيث كنا نتجمع عادة.. وبعد تقييم «الوضع» صدر قرار بفتح أبواب قصر نجمة لجميع الطلاب لممارسة الأنشطة الرياضية حتى غروب الشمس. هذا القرار «الحكيم» لم يأت من فراغ.. لأن ما شاهدوه في ساحة حارتنا لم يكن مجموعة من أطفال الجنود الفقراء بل أعدادا كبيرة من «الجن» و«العفاريت» في أحسن الأحوال.. وما عليك إلا أن تتخيل أعدادا وأشكالا مشابهة في معشى وقروى والعقيق والشرقية واليمانية والشهداء وغيرها من أحياء الطائف وتتساءل عن المكان المناسب الذي يمكن أن يتواجدوا فيه بعد «دوام» المدرسة ويستريح من شرورهم كل من يسير على الأرض أو ينام تحتها.