تُعدّ المملكة العربية السعودية من أكثر مصادر تحلية مياه البحر، بالاضافة إلى المياه الجوفية لتلبية جانب كبير من احتياجاتها الزراعية والبلدية والصناعية، ومع تراجع معدلات الأمطار وتزايد الاستهلاك، أصبحت المخزونات الجوفية شبه مستنزفة في كثير من المناطق، ما يجعل البحث عن حلول مبتكرة لإعادة تغذية هذه المخزونات ضرورة وطنية ملحّة. ورغم شح الأمطار، فإن السيول الموسمية التي تجري في الأودية تمثل مورداً مائياً ثميناً لا يتم استثماره بالشكل الأمثل، فالمياه غالباً ما تتحرك لمسافات طويلة ثم تتبدد في النفوذ الصحراوية أو تتبخر، بينما كان بالإمكان تحويل جزء كبير منها إلى رصيد مائي يعود بالنفع على الأجيال القادمة. وهنا تبرز فكرة الاستفادة من أعالي الأودية، عبر إنشاء سدود صغيرة وحفر تغذية مدروسة تهدف إلى تحويل مياه السيول إلى المياه الجوفية بدلاً من فُقدانها. طبيعة الأودية في المملكة ومسارات الفاقد المائي تبدأ معظم الأودية في السعودية من المرتفعات الغربية، حيث تتساقط الأمطار على الجبال ثم تنحدر عبر مجاري طويلة إلى المناطق الشرقية والوسطى، ومن أبرز الأمثلة: وادي الرمة الذي يمتد مئات الكيلومترات ويمر بعدة مناطق قبل أن يصل إلى نفوذ الربع الخالي، حيث تختفي مياهه في الرمال. أودية أخرى تنتهي في السهول أو البحار أو في مناطق رملية واسعة دون تحقيق أي استفادة مائية حقيقية. هذا الفقد في مياه السيول يمثل هدراً لمورد استراتيجي يمكن تحويله إلى ثروة مائية مستدامة لو تمت إدارته علمياً. فكرة إنشاء سدود وحفائر في أعالي الأودية الاستفادة من أعالي الأودية هي فكرة جوهرية، لأن المياه تكون أكثر نقاءً، وتدفقها أقل خطراً مقارنة بمناطق المصب، ويمكن تطبيق هذه الفكرة من خلال: 1. السدود الصغيرة سدود منخفضة الارتفاع تبنى على مجرى الوادي، وظيفتها: إبطاء سرعة جريان الماء. السماح بالتسرب التدريجي للمياه إلى الطبقات الأرضية. الحد من انجراف التربة. زيادة معدل تغذية المياه الجوفية. هذه السدود لا تحتاج لصرف مالي ضخم ويمكن بناؤها بشكل متكرر على امتداد الوادي. 1. حفر التغذية وهي آبار سطحية تُحفر قرب مجرى السيول، وتُغطّى بطبقات من الحصى والرمل لمنع الانسداد. فائدتها تكمن في: السماح بنفاذ كميات كبيرة من مياه السيول مباشرة إلى الخزان الجوفي. تقليل الهدر السطحي السريع. إمكانية استخدامها حتى في المناطق ذات الطبقات الصخرية غير المنفذة سطحياً. 1. برك حصاد المياه تُقام في مناطق استراتيجية لتجميع السيول ثم تركها لتتسرب تدريجياً إلى الأرض. وتساعد هذه البرك على تخزين المياه والحد من فقدانها بالتبخر. الفوائد البيئية والاقتصادية لتغذية المياه الجوفية 1. إعادة إحياء الخزانات الجوفية مما يضمن وجود مخزون مائي مستدام يمكن الاعتماد عليه في الزراعة والشرب. 1. دعم الزراعة المحلية فالقرى والمزارع التي تعتمد على الآبار ستشهد توفر مياه أكثر واستقراراً في مناسيبها. 1. تحسين المناخ المحلي زيادة الرطوبة وتواجد المياه تحت الأرض يسهم في تلطيف البيئة وتحسين الغطاء النباتي. 1. الحد من مخاطر السيول لأن السدود الصغيرة والحفائر تقلل سرعة جريان الماء وتوزعه على فترات أطول. 1. حماية المدن من التعرية إيقاف قوة السيل يحافظ على ضفاف الأودية ويمنع الانجراف. كيف يمكن تطبيق هذه الفكرة على مستوى وطني؟ 1. دراسة أعالي الأودية بواسطة فرق متخصصة لتحليل التضاريس وأنواع الصخور وتحديد أفضل أماكن إنشاء السدود والحفائر. 2. وضع برنامج وطني لحصاد مياه الأمطار تشترك فيه وزارة البيئة والمياه والزراعة، ووزارة النقل، والبلديات. 1. إشراك المجتمع المحلي من خلال تشجيع المزارعين والسكان على إنشاء حفائر صغيرة في أراضيهم بدعم حكومي. 1. الاستفادة من التجارب الدولية مثل الهند والمغرب التي حققت نجاحات هائلة عبر السدود الصغيرة وحصاد المياه. وادي الرمة نموذج قابل للتطبيق وادي الرمة مثال مثالي لفكرة تغذية المياه الجوفية، حيث يمكن أن يستفيد آلاف الكيلومترات من مجراه من: سلسلة سدود صغيرة على امتداد الجريان. آبار تغذية بالقرب من ضفاف الوادي. أحواض تجميع في المناطق الوسطى. هذا النهج يمكن أن يحول الوادي من مجرى سيل موسمي قصير الأثر إلى مصدر مستدام لتغذية الخزانات الجوفية في منطقة واسعة. أخيراً فأن مياه السيول التي تجري اليوم بلا قيمة حقيقية يمكن أن تصبح مورداً استراتيجياً يعيد الحياة إلى المياه الجوفية في المملكة. الاستفادة من أعالي الأودية عبر إنشاء سدود صغيرة وحفائر تغذية وبرك حصاد تمثل أحد أهم الحلول العلمية والعملية والاقتصادية. ومع التخطيط الجيد يمكن أن تتحول السيول من مشكلة إلى فرصة، ومن هدر إلى ثروة، ومن جريان عابر إلى رصيد مائي يدعم الأجيال القادمة. الاستفادة من أعالي الأودية فكرة جوهرية يجب الاهتمام بها السدود الصغيرة تسمح بالتسرب التدريجي للمياه إلى الطبقات الأرضية