في ظل تسارع التطور الطبي وازدياد الحاجة إلى تدخلات عاجلة، يطالب أطباء ومرضى وخبراء تأمين اليوم بتغليظ الغرامات ورفع كفاءة الرقابة على شركات التأمين التي تتأخر في الموافقة على الإجراءات الطبية الضرورية، في أنظمة التأمين الصحي، حمايةً لحقوق المرضى وصونًا ل"النافذة العلاجية" ومنعًا لتفاقم الكلفة والمضاعفات. تبدأ القصة غالبًا من غرفة انتظار: ملفّ طبي مكتمل يرفعه طبيب مع توصية عاجلة، لكنه يتعثّر بين أقسام الشركة بحجّة متكررة ومعروفة حفظها الطبيب والمريض (استيفاء وثائق إضافية أو "مراجعات داخلية" لا تنتهي) فينزاح الحق في العلاج من مساره إلى طابور بيروقراطيّ يستهلك الوقت والصبر والصحة معًا. ويشتدّ أثر هذه الممارسات حين تغيب معايير رقابية واضحة ومعلنة، فتصبح الموافقة التي وُجدت لحماية الطرفين سببًا لتعطيل العلاج وإرباك منظومة الثقة بأكملها. لا يقتصر ثمن التأخير على الجانب المالي؛ فالتبعات الصحية قد تكون فورية وحاسمة حين يفقد المريض توقيتًا علاجيًا مثاليًا لا يُعوّض، وتتعاظم معاناة نفسية يغذّيها قلق الانتظار وعدم اليقين، فيما تتراكم المضاعفات التي تتطلّب تدخلات أطول وأغلى وأكثر تعقيدًا. ومع كل يوم إضافي من التعطيل، تتصدّع الثقة بالنظامين الصحي والتأميني، وتتزايد الشكاوى وتُستنزف طاقة الأطباء وفرق العمل في ملاحقة إجراءات إدارية على حساب رعاية المرضى. ولمعالجة الخلل، تبرز مقاربة إصلاحية متكاملة تقوم على ثلاثة مسارات متزامنة؛ أولها: فرض غرامات تصاعدية مرتبطة بمدة التأخير وخطورة الحالة، بما يشمل إلزام الشركات بتعويض مباشر عن الأضرار الناتجة ونشر تقارير دورية تقيس زمن الموافقة وتُظهر ترتيب الشركات بما يعزّز الشفافية والمساءلة.مع وضع سقف زمني محدد للحالات العاجلة، كأن يكون 48 ساعة. ثانيهما: تبسيط مسار الموافقة عبر قوائم إجراءات تُمنح موافقة تلقائية متى وثّق الطبيب المعالج ضرورتها عن طريق منصة رقمية موحّدة لتقديم الطلبات وتتبعها. وثالثهما ولحفظ حقوق شركات التأمين: مراجعة الاجراءات التي تمت عن طريق متخصصين من الطرفين وان تبين انها لم تكن ضرورية اعادة ما تم دفعه إلى شركة التأمين. الفوائد المتوقعة من هذا النهج تتوزّع بين المريض والنظام والشركات؛ فحماية الحق في العلاج بالوقت المناسب تُقلّص احتمالات المضاعفات وتخفّض الكلفة على المدى البعيد، فيما يدفع التزام الغرامات الشركات إلى تحسين كفاءة عملياتها الداخلية والاستثمار في الأنظمة الرقمية وخدمة العملاء، وتعيد التقارير الدورية والشفافية بناء الثقة العامة. كما يتحرر الأطباء تدريجيًا من عبء الملاحقة الإدارية لينصرفوا إلى جوهر مهنتهم: التشخيص والعلاج والمتابعة. أخيرًا.. الصحة ليست ملفًا محاسبيًا يُدار بمنطق الربح وحده، بل التزامٌ أخلاقيّ وحقّ أصيل يستدعي توازنًا منصفًا بين حماية الاستدامة المالية وضمان العلاج في حينه. تغليظ الغرامات على التأخير، مقرونًا برقابة فعّالة ومسارٍ مبسّط للموافقة، ليس عقوبةً بمقدار ما هو علاجٌ لخللٍ هيكليّ طال أمده؛ خطوةٌ عملية نحو منظومة تأمينية أكثر إنسانية وفاعلية، تضع حياة المريض في مكانها المستحق: الأولوية التي لا تُزاحمها أولوية. *استشاري جراحة الصدر