مرة أخرى، أروي لكم جزءاً من تفاصيل رحلتي الأخيرة إلى الصين، حيث رأيت وسمعت: كيف تسابق الصين الزمن، لتعزيز كفاءة مصانعها وموانئها، وإعادة تشكيل اقتصادها، في مواجهة الضغوط الأمريكية، وبينما يحلم بعض رواد التكنولوجيا الأمريكيين باستخدام الذكاء الاصطناعي في علاج الأمراض أو القضاء على الفقر، تركز بكين على استخدام الذكاء الاصطناعي في تحقيق أهداف أكثر عملية: تحسين إنتاج الأجهزة المنزلية والاستهلاكية والإلكترونية، وتعزيز القدرة التنافسية لصادراتها، التي لا زالت تغزو العالم. مع تزايد التعريفات التجارية من قبل إدارة ترامب، تواجه الصين تحديات جسيمة، لكن الذكاء الاصطناعي يقدم الحل السحري، فهو يساعد في زيادة إنتاج السلع والبضائع بشكل أسرع، وأرخص، وبأقل عدد من العمال، وفي مدن مثل جينغتشو على ضفاف نهر اليانغتسي، تتحول مصانع شركة "ميديا"، للأجهزة المنزلية، إلى كيانات حية تتنفس أكسجين الذكاء الاصطناعي، حيث يعمل "مخ المصنع" الذكي كجهاز عصبي مركزي، يدير 14 وكيلاً افتراضياً يتواصلون لتحسين المهام، بينما تنشط الروبوتات في نقل المكونات، وتفحص كاميرات ثلاثية الأبعاد الجودة، وهكذا، يحدد النظام الذكي نموذج المنتج هل هو مثلاً غسالة، أو ثلاجة، أو تليفزيون، ليضبط البراغي بدقة فائقة، وأدى هذا إلى تقليص وقت العمليات من 15 دقيقة إلى 30 ثانية فقط، وبالتالي، زادت إيرادات الشركة السنوية لكل موظف بنسبة 40 %. وفي شنغهاي، أصبحت "المصانع المظلمة" واقعاً ملموساً، وهي مصانع آلية بالكامل تعمل بدون تدخل بشري، مما يسمح بتشغيلها في الظلام دون إضاءة، وعلى سبيل المثال، في مصنع "باوستيل" للصلب، يدير الذكاء الاصطناعي معظم عمليات الإنتاج تلقائياً، مما يقلل من التدخل البشري اليدوي المتكرر، حيث أصبح العمال يتفقدون أو يعدلون فقط كل 30 دقيقة بدلاً من كل 3 دقائق كما في السابق، وقد نصبت الصين 295 ألف روبوت صناعي في عام 2024، أي تسعة أضعاف ما نصب في الولاياتالمتحدة، مما يجعل مخزونها التشغيلي يتجاوز المليونين، وهي الأكبر عالمياً، ومن بين 131 مصنعاً معترف به عالمياً من قبل المنتدى الاقتصادي العالمي لاستخدام التكنولوجيا المتقدمة، هناك 45 مصنعاً في الصين مقابل ثلاثة مصانع فقط في الولاياتالمتحدة. تلعب شركات عملاقة مثل "هواوي" دوراً محورياً في ازدهار الحياة الرقمية، فنموذجها "بانغو"، المستوحى من أسطورة صينية، يساعد في تحسين الإنتاج في صناعات استراتيجية مثل الإسمنت، وفي مصنع "كونش غروب" لإنتاج الأسمنت في مدينة ووهو، يتنبأ الذكاء الاصطناعي بقوة المادة الخام بنسبة دقة 85 %، مما يوفر 1 % من استهلاك الفحم، أي حوالي 300 ألف دولار سنوياً لخط إنتاج واحد فقط، وهم يستهدفون توفير 2 % من استهلاك الفحم بحلول 2026، مما يعني توفير ملايين الدولارات للشركة، أما في صناعة الملابس، فإن شركة "بوسيدنغ"، التي بدأت بفريق خياطة صغير في السبعينيات، تستخدم نموذج ذكاء اصطناعي لتصميم الملابس، مقلصة وقت إنتاج العينة من 100 يوم إلى 27 يوماً، وخفضت التكاليف بنسبة 60 %، واليوم، تتجاوز إيراداتها السنوية أربعة أضعاف علامات غربية كبيرة مثل "كندا غوس". ولا تقتصر الثورة التكنولوجية على المصانع، فموانئ الصين، مثل تيانجين، تعتمد على أسطول شاحنات ذاتية القيادة ونظام "أوبتفيرس إيه آي سولفر" من هواوي لجدولة العمليات، وما كان يستغرق 24 ساعة أصبح يتم في 10 دقائق فقط، وعلاوة على ذلك، تم تقليل عدد العمال بنسبة 60% مقارنة بالموانئ التقليدية، واليوم، يوجد في الصين 10 موانيء مصنفين بين أفضل 20 ميناء عالمياً في سرعة تداول السفن، ودون وجود نقابات عمالية مستقلة، مما يسهل تنفيذ الابتكارات مقارنة بالولاياتالمتحدة، حيث أدت المفاوضات العمالية إلى تأجيل الأتمتة حتى 2030 في بعض الموانئ، واللافت، أن معظم الصينيين يرون أن الذكاء الاصطناعي مفيداً، مما يدعم الانتشار السريع للتقنيات الفائقة، وهذا على عكس الكثير من المجتمعات التي لازالت خائفة من الذكاء الاصطناعي وتعتبره خطراً داهماً.