في عمل فني يلامس جوهر التجريد ويتغلغل في روح المادة، يقدم الفنان التشكيلي السعودي خالد العنقري منحوتته الجديدة المصنوعة من صخور الجرانيت المحلي. يتجاوز هذا العمل حدود الشكل التقليدي ليقدم تأملًا عميقًا في علاقة الإنسان بالطبيعة، وفي قدرة الفن على كشف الجمال الكامن في أصول الأشياء. تجسد هذه المنحوتة رؤية العنقري الفريدة في التعامل مع الخامة، فبدلًا من فرض شكل كامل على الحجر، يختار الفنان ببراعة أن "يتداخل" مع قطعة الحجر، محافظًا على "جزء من طبيعة الحجر" الأصلية، هذا الاختيار ليس مجرد تقنية نحتية، بل هو بيان فلسفي يعكس احترام الفنان للمادة الخام، وإيمانه بأن جمالها يكمن في أصالتها وقوامها الذي نحتته الطبيعة عبر ملايين السنين، إن ترك أجزاء من الصخر على طبيعتها الخام يخلق حوارًا بصريًا مثيرًا بين العمل الفني وبين مصدره، مؤكدًا على أن الفن ليس بالضرورة خلقًا من العدم، بل هو استكشاف وإعادة تأويل لما هو موجود. يزداد العمل عمقًا من خلال "التفاف" الأشكال المنحوتة "حول الجزء الصاعد للأعلى برمزية تجريدية". هذا الالتفاف يخلق حركة ديناميكية وصعودًا روحيًا، يوحي بالنمو، بالتطور، وبالسعي نحو هدف غير مرئي أو غير ملموس. يمثل الجزء الصاعد رمزًا للطموح البشري، للارتقاء، أو ربما للبحث عن معنى أعمق يتجاوز حدود المادة. الرمزية التجريدية هنا تفتح المجال لتأويلات متعددة تتناسب مع تجربة المتلقي، فقد يرى فيها البعض تجسيدًا للرحلة الروحية، أو للتقدم الحضاري، أو حتى للنمو الشخصي. إن استخدام الجرانيت المحلي يضفي على العمل بعدًا آخر من الأصالة والارتباط بالمكان، صلابة الجرانيت ومتانة تعكس قوة الفكرة وصمود الفن، بينما تباين ألوانه وقوامه يضيفان ثراءً بصريًا لا يمكن تحقيقه بمواد أخرى. في هذه المنحوتة، لا يقدم العنقري مجرد قطعة من الجرانيت المشكل، بل يدعونا إلى رحلة بصرية وفكرية، إنها دعوة للتأمل في العلاقة بين ما هو طبيعي وما هو مصطنع، بين ما هو خام وما هو مصقول، وبين ما هو أرضي وما هو سام، إنها شهادة على أن الفن، في أنقى صوره التجريدية، يمكن أن يكون لغة عالمية تتحدث إلى الروح وتثير الخيال، محولةً الصخر الأصم إلى حوار مفعم بالمعاني والرموز.