أطلقت وزارة الثقافة «المتحف السعودي للفن المعاصر» SAMoCA مؤسسة متخصصة لعرض الفنون المعاصرة، بحي جاكس في الدرعية. يركّز المتحف على الأعمال المنتَجة حاليًا أو في العقود الأخيرة، ويشمل الحركات الفنية الراهنة، والفنون التجريبية، والوسائط المتعددة، والفنون الرقمية، ضمن توجه المملكة لدعم الفنون الحالية وإبراز حضورها عالميًا. غير أن هذا التخصص يستبعد «الفن الحديث السعودي»، مما يعني أن أعمال الرواد التي شكّلت بدايات الحركة التشكيلية تبقى دون إطار مؤسسي واضح، رغم أهميتها في تاريخ الفن المحلي وتطوره. يشير مصطلح الفن المعاصر إلى الإنتاج الفني الحالي والعقود القليلة الأخيرة، وإن كانت بعض المؤسسات تضع بدايته التقريبية في أواخر الستينات أو السبعينات مع ظهور بعض التحولات الفنية الكبرى، ويشمل فنون المفاهيم، وفنون الأداء، والتركيبات الفنية ( Installation Art)، والفنون الرقمية، وفن الفيديو والوسائط المتعددة، إضافة إلى أشكال التجريب الفني المختلفة. في المقابل، تُشكّل غالبية أعمال الفنانين التشكيليين السعوديين الرواد ضمن «الفن الحديث السعودي»، وهي مرحلة اعتمدت على مدارس الحداثة العالمية مثل التجريد والتعبيرية والسريالية والتكعيبية. وقد تبنّى رواد الفن السعودي هذه الاتجاهات، مثل: عبدالحليم رضوي، ومحمد السليم، ومنيرة موصلي، وعبدالجبار اليحيا، وفهد الحجيلان، مما يجعل بوضوح أن أعمالهم الفنية تُصنّف ضمن سياق الفن الحديث وليس ضمن الفن المعاصر. يأتي «المتحف السعودي للفن المعاصر» كخطوة مؤسسية طال انتظارها، إذ يملأ فراغًا واضحاً في البنية الثقافية عبر توفير مؤسسة متخصصة للفن المعاصر الذي أصبح جزءاً أساسياً من المشهد الفني اليوم. ويحقق المتحف عدة أهداف رئيسة تشمل توفير منصة رسمية ودائمة للفنانين السعوديين بديلاً عن المعارض المؤقتة، وبناء أرشيف وطني للفنون المعاصرة، بالإضافة إلى تعزيز الحضور الدولي للمملكة عبر التعاون مع مؤسسات فنية عالمية. شارك في المعرض الافتتاحي «Art of the Kingdom: Poetic Illuminations» سبعة عشر فنانًا سعوديًا معاصرًا، كما استضاف المتحف النسخة الثالثة من بينالي « Bienalsur» الدولي للفن المعاصر بمشاركة عشرة فنانين سعوديين. وتنوعت الأعمال المعروضة بين اللوحات والمنحوتات وفن الفيديو والتركيبات الفنية، مع حضور واضح لموضوعات الهوية والذاكرة والبيئة المحلية، كما أن وجود أعمال صُممت خصيصاً للمتحف يُظهر جدية المشروع ورؤيته طويلة المدى. ومع ذلك، هناك جوانب تحتاج إلى تطوير، فتركيز المتحف على الفن المعاصر وحده يترك مرحلة الرواد بلا إطار مؤسسي يعرض أعمالهم ويحفظها، مما يبرز الحاجة إلى إنشاء متحف مستقل للفن الحديث السعودي يعالج هذا النقص، فالرواد الذين أسسوا الحركة التشكيلية السعودية منذ منتصف القرن العشرين يستحقون مؤسسة تحفظ إرثهم وتوثق مسيرتهم، وتعرض وتطور الفن السعودي عبر عقود من التجريب والإبداع. كما أن اعتماد المتحف على المعارض المؤقتة يؤكد أهمية بناء مجموعة دائمة حتى تمنح المتحف هوية راسخة ومرجعية فنية واضحة. ومع نمو المتحف، سيكون من المهم أيضاً الموازنة بين الحضور الإعلامي والعمق الفني في برامجه. يضع المتحف نفسه ضمن شبكة المتاحف المعاصرة في المنطقة، مع تركيز خاص على الفنانين السعوديين، ويأتي ذلك في وقت تشهد فيه المنطقة نمواً ملحوظاً في عدد المتاحف والمؤسسات الفنية، كمتحف الفن الحديث والمعاصر في الدوحة ومتحف اللوفر أبوظبي، مما يضع المتحف السعودي ضمن سياق إقليمي متنامٍ يعزز مكانة الفن المعاصرالعربي عالمياً. كما يُتوقع أن يسهم في دعم سوق الفن المحلي والترويج للأعمال السعودية، مما يعزز قيمتها ويخلق فرصًا مهنية جديدة للفنانين والعاملين في المجال، ضمن أهداف رؤية 2030.ِ ونجح المتحف في تأسيس حضور مؤسسي واضح وتوفير منصة للفنانين السعوديين، لكن التحدي الأكبر يبقى في بناء مجموعة دائمة تمنحه هوية راسخة. كما يتطلب المشهد الفني السعودي إنشاء متحف مستقل للفن الحديث يغطي مرحلة الرواد ويكمل المنظومة المتحفية، فالانتقال من مرحلة التأسيس إلى عمق مؤسسي حقيقي هو ما سيضمن استمرار دور المتحف وتأثيره الفعلي.