برغم النتائج الإيجابية للغاية لميزانية المملكة لعام 2025، وخطط ميزانية 2026، فقد صاحب الاقتصاد العالمي وأسواق الطاقة بالذات، هذا العام، تقلبات وتهديدات ومخاوف وقلق مستمر وسط الظروف الجيوسياسية العالمية المتفاقمة، والحرب التجارية بين أكبر اقتصادين بالعالم؛ الولاياتالمتحدة، والصين. وفي تطورات الآفاق الاقتصادية العالمية، وبحسب بيان الميزانية العام للدولة للعام المالي 2026، ما زالت وتيرة نمو الاقتصاد العالمي تتسم بالتباطؤ، وسط توقعات باستقرار نسبي لآفاقه المستقبلية على المدى المتوسط، ويأتي هذا التباطؤ في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية، إذ تبنّت عدد من الدول سياسات حمائية، عبر فرض قيود تجارية، ورفع التعريفات الجمركية، مما أسهم في تعميق حالة عدم اليقين بمستقبل النمو العالمي. في الوقت ذاته، شهدت مستويات الدين العالمي ارتفاعاً مستمراً، مما يشكّل عبئاً متزايدا على استدامة المالية العامة لعدد من الدول، لا سيما الاقتصادات الصاعدة والنامية. وعلى الرغم من تلك العوامل، تواصل معدلات التضخم عالمياً مسارها التراجعي تدريجياً، الأمر الذي شجع عدد من البنوك المركزية حول العالم على اتباع سياسة نقدية أقل تشددا، من خلال تثبيت أسعار الفائدة أو تخفيضها تدريجيا بهدف دعم النشاط الاقتصادي. فقد خفّض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس خلال شهر أكتوبر من العام 2025، مع ترجيحات بإجراء خفض إضافي قبل نهاية العام. وتشير توقعات صندوق النقد الدولي في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي لشهر أكتوبر 2025، إلى تباطؤ طفيف في نمو الاقتصاد العالمي من 3.3 % في العام 2024 إلى 3.2 %، و3.1 % لعامي 2025 و2026 على التوالي، مدفوعا بتوقعات تباطؤ النمو في الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية. كما تُشير التقديرات إلى تسجيل اقتصادات الدول المتقدمة نموا منخفضاً في عامي 2025م و2026م عند 1.6 % مقابل 1.8 % في العام 2024. في حين يّقدر نمو الأسواق الصاعدة والنامية عند 4.2 % للعام 2025م و4.0 % للعام 2026، مقارنة بنسبة 4.3 % في العام 2024. وتُشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى تراجع معدل التضخم العالمي عما سجله في العام 2024 عند 5.8 % ليصل إلى 4.2 % للعام 2025، ثم إلى 3.7 % للعام 2026. وفي تطورات أسواق النفط، شهدت أسواق البترول العالمية نموا في الطلب، مما انعكس إيجابياً على مستويات إمدادات المملكة من البترول الخام. وقد عزز هذا النمو قرار الدول الثمانية الأعضاء في مجموعة أوبك+ المشاركة في التخفيضات التطوعية، وذلك من خلال البدء في تنفيذ خطة تدريجية ومرنة؛ لإنهاء تخفيض نوفمبر من العام 2023م التطوعي الإضافي البالغ 2.2 مليون برميل يوميا ابتداء من شهر بريل وحتى نهاية سبتمبر من العام 2025. وفي هذا السياق، سجلت إمدادات المملكة من البترول الخام في شهر سبتمبر 2025 ارتفاعاً سنوياً يقدر بحوالي 1 مليون برميل يوميا، ليصل إجمالي الإنتاج إلى نحو 10.0 مليون برميل يومياً، أي ما يعادل نموا بنسبة 11 % مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق. كما بدأ تنفيذ خطة تدريجية ومرنة لإعادة تخفيض أبريل من العام 2023م التطوعي البالغ 1.65 مليون برميل يوميا، إذ تم إعادة حوالي 137 ألف برميل يوميا في كل من شهري أكتوبر ونوفمبر من العام 2025. وبحسب ما تم الإعلان عنه في اجتماع الدول الثمان الأعضاء في مجموعة أوبك+ المشاركة في التخفيضات التطوعية، والمنعقد بتاريخ 5 أكتوبر 2025م، ستصل إمدادات المملكة في شهر نوفمبر من العام 2025م إلى مستوى 10.1 ملايين برميل يوميا. انخفاض أسعار النفط أما على صعيد الأسعار، فقد بلغ متوسط أسعار خام برنت خلال الفترة من يناير وحتى سبتمبر من العام 2025 نحو 69.9 دولار للبرميل، مسجلاً انخفاضاً بنسبة 14.5 % مقارنة بمتوسط الفترة ذاتها من العام السابق. ويعزى هذا التراجع بشكل رئيس إلى تداعيات التوترات التجارية والجيوسياسية العالمية، التي أسهمت بدرجة كبيرة في زيادة حدة تقلبات الأسعار في الأسواق البترولية. وفي تطورات الاقتصاد المحلي، فمنذ انطاق رؤية السعودية 2030، شهد الاقتصاد السعودي تحولاً هيكلياً واسع النطاق، مدفوعا بجهود حكومة المملكة العربية السعودية المستمرة في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية والمالية والاقتصادية الشاملة، والإنفاق الإستراتيجي الموجه نحو الأولويات الوطنية، وذلك بهدف تنويع وتوسيع القاعدة الاقتصادية، مع تعزيز كفاءة الإنفاق، واستدامة المالية العامة. وكانت ثمرة ذلك بناء هيكل اقتصادي أكثر تنوعا واستدامة أسهم في تعزيز الأداء الإيجابي للاقتصاد السعودي وذلك على الرغم من التحديات والتقلبات التي يشهدها الاقتصاد العالمي. وواصلت الأنشطة غير النفطية قيادة النمو الاقتصادي في المملكة مما يؤكد نجاح المسار التنموي تحت رؤية السعودية 2030، ومن ذلك ما أسهمت به الإصلاحات من تعزيز لمساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، واحتواء معدلات التضخم لتظل عند مستويات أقل من المعدلات العالمية، ويعكس هذا الأداء المتقدم كفاءة الإصلاحات المتبعة لتعزيز مرونة الّاقتصاد الوطني، ورفع قدرته على التكيف مع المتغيرات وامتصاص الصدمات، بما يّرسخ أسس تعزيز النمو الاقتصادي والاستدامة المالية طويلة المدى. ومنذ بداية العام وحتى الربع الثالث من العام 2025م، حقق الناتج المحلي الإجمالي نمواً بنسبة 4.1 % مقارنة ً بالفترة المماثلة من العام السابق، مدعوما بنمو الأنشطة غير النفطية بنسبة 4,7 %، ويعزى ذلك إلى الطلب المحلي المتنامي المتمثل في زيادة معدلات الاستهلاك والاستثمار، نتيجة للتوسع في مختلف القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك الواعدة منها، والأثر الملموس لاستمرار جهود تنويع الاقتصاد التي أسهمت في نمو الأنشطة غير النفطية، وعززت من دور القطاع الخاص وقدرته على توفير المزيد من الوظائف وجذب الفرص الاستثمارية. نمو الأنشطة غير النفطية كما نمت الأنشطة النفطية بنسبة 3.9 % خلال الفترة ذاتها؛ نظرا لبدء الزيادة التدريجية لمستويات ً الإنتاج وفقً لقرار مجموعة "أوبك+" بإلغاء الخفض التطوعي الإضافي تدريجياً. ومن المتوقع أن يستمر الاقتصاد السعودي في تحقيق معدلات نمو إيجابية، إذ تُشير التقديرات الأولية للعام 2025م إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنحو 4.4 % على أساس سنوي، مدعوما بنمو الناتج المحلي للأنشطة غير النفطية بنسبة 5.0 % نتيجة استمرار الأنشطة الاقتصادية في تحقيق نمو متزايد بفضل التوسع في الاستثمار وزيادة مستويات الاستهلاك. كما حافظت المملكة على مستويات مقبولة لمعدل التضخم؛ حيث تُشير التوقعات الأولية للعام 2025م إلى تسجيل الرقم القياسي لأسعار المستهلك معدل 2.3 % وذلك نتيجة تبني المملكة لسياسات مالية ونقدية تهدف إلى استقرار الأسعار والحد من ارتفاعها. وفيما يخص العام 2026م تُشير التقديرات الأولية إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 4.6 %، مدفوعا بنمو الناتج المحلي للأنشطة غير النفطية بصفتها المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي. وفي القطاع الحقيقي للاقتصاد المحلي، أظهر اقتصاد المملكة متانة ومرونة في مواجهة التحديات التي يشهدها الاقتصاد العالمي خلال العام 2025، وقد تجلى ذلك في الأداء الإيجابي للمؤشرات والأنشطة الاقتصادية، تأكيدا على نجاح جهود رؤية السعودية 2030 الطموحة في بناء منظومة مالية واقتصادية متكاملة. ففي العام 2024، سجلت الأنشطة غير النفطية نمواً قوياً ومتسارعاً محققة أعلى مستوى تاريخي على الإطلاق عند 2.6 تريليون ريال بنسبة نمو 6.0 % على أساس سنوي، مما يجعلها المحرك الرئيس لنمو الناتج المحلي الإجمالي، بمساهمة في النمو بلغت 3.2 نقطة مئوية ُ خلال الفترة ذاتها. ويعزى هذا الأداء الإيجابي إلى التوسع المستمر في القطاعات الاقتصادية الواعدة، ومن أبرزها قطاع السياحة، والترفيه، والصناعة، والنقل والخدمات اللوجستية. كما أسهم التقدم في الخدمات الرقمية الحكومية، والتقنيات المالية في دعم النمو الاقتصادي وتعزيز استدامته، وقد تزامن ذلك مع نمو الاستهلاك الخاص نتيجة ارتفاع معدلات التوظيف وتراجع معدلات البطالة مع تحقيق مستهدف رؤية 2030، وقد بلغ متوسط نمو الناتج المحلي للأنشطة غير النفطية بالأسعار الثابتة نحو 8.5 % خلال السنوات الثلاث السابقة، وذلك انعكاسا للجهود المبذولة في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد السعودي، والتي أسهمت في تعزيز استدامة النمو وتحقيق أداء قوي ومستمر منذ تجاوز تداعيات جائحة كوفيد19. ومنذ بداية العام وحتى الربع الثالث من العام 2025، سجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نموا بمعدل 4.1 % مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق، وذلك بفضل النمو الحقيقي في مختلف الأنشطة الاقتصادية غير النفطية، إذ حقق الناتج المحلي للأنشطة غير النفطية نموا بمعدل 4.7 % على أساس سنوي خلال الفترة ذاتها، ويعزى هذا النمو لارتفاع الطلب المحلي الذي تأثر بارتفاع مستويات الدخل الناتجة عن زيادة التوظيف، وانخفاض معدلات البطالة بين السعوديين إلى مستويات تاريخية. كما ساهم التوسع في الاستثمارات وتنفيذ المشاريع الكبرى، وتعزيز دور القطاع الخاص في رفع القدرة التنافسية للقطاعات غير النفطية وترسيخ استدامة نموها دون التأثر بتقلبات أسواق البترول. وسجل الناتج المحلي للأنشطة النفطية ً نموا بمعدل 3.9 % وقد عزز هذا النمو قرار الدول الثمانية الأعضاء في مجموعة أوبك+ المشاركة في التخفيضات التطوعية، وذلك من خلال البدء في تنفيذ خطة تدريجية ومرنة لإنهاء تخفيض نوفمبر 2023 التطوعي الإضافي البالغ 2.2 مليون برميل يوميا ابتداء من شهر أبريل وحتى نهاية سبتمبر 2025. في حين حقق الناتج المحلي للأنشطة الحكومية ً نموا بمعدل 1.9 % خلال الفترة ذاتها، وذلك نتيجة تسريع تنفيذ المشاريع والبرامج ذات الأثر الاقتصادي المستدام، والتي تسهم في دفع عجلة التنمية. وعند تحليل أداء الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للأنشطة غير النفطية بشكل ربعي، فقد حقق نموا في الربع الأول من العام 2025 بمعدل 4.9 % على أساس سنوي، وواصل أداءه الإيجابي خلال الربع الثاني بنمو بلغ 4.6%. وانعكس ذلك إيجابا على أداء معظم الأنشطة غير النفطية خلال الربع الثاني من العام 2025؛ إذ سجل نشاط تجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق نموا بمعدل 6.6 %، فيما سجل نشاط خدمات المال والتأمين وخدمات الأعمال نموا بمعدل 5.0 %، كذلك سجل نشاط التشييد والبناء نموا بلغ 3.8. ووفقاُ للتقديرات السريعة للربع الثالث من العام 2025م الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء، استمرت الأنشطة غير النفطية في تحقيق معدلات نمو إيجابية بمعدل 4.5 % على أساس سنوي.