حظيت القضية الفلسطينية بمكانة مركزية في القمم الخليجية منذ القمة الأولى في أبوظبي عام 1981، حين أكد القادة دعمهم لحقوق الشعب الفلسطيني ورفضهم لأي إجراءات تستهدف تغيير هوية القدس أو الانتقاص من حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. ومنذ ذلك التاريخ، حافظت جميع القمم الخليجية المتعاقبة على إدراج القضية الفلسطينية كبند ثابت في بياناتها الختامية، باعتبارها القضية العربية الأولى ومحوراً أساسياً من محاور الأمن الإقليمي. وقد تناولت القمم عبر العقود قضايا تتعلق بالاستيطان، والاعتداءات الإسرائيلية، ودعم الانتفاضة، والمطالبة بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967. ومع كل دورة جديدة، كان القادة يجددون التأكيد على أن استقرار الشرق الأوسط لا يمكن أن يتحقق من دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، مما رسخ حضوراً تاريخياً واضحاً لهذا الملف داخل منظومة العمل الخليجي المشترك القضية الفلسطينية حضرت في القمة الخليجية السادسة والأربعين في المنامة بوصفها أحد أكثر الملفات السياسية ثقلاً، وكمحور يعكس طبيعة اللحظة التي تمر بها المنطقة منذ اندلاع الحرب في غزة. فلم تعد فلسطين في هذه القمة مجرد بند ضمن جدول الأعمال، بل باتت العنوان الذي تتقاطع فيه مسارات السياسة والأمن والتحولات الدولية، وتختبر من خلاله قدرة دول الخليج على تقديم موقف موحد يقود المرحلة المقبلة ويمنح المنطقة قدراً أكبر من الاستقرار. وتدرك العواصم الخليجية أن الحرب في غزة، وما خلفته من تداعيات إنسانية خطيرة، قد أعادت رسم خرائط النفوذ، وفرضت على الدول العربية، وفي مقدمتها دول مجلس التعاون، إعادة النظر في طبيعة مساهمتها في صياغة مستقبل القضية. وعليه، تحضر فلسطين في القمة السادسة والأربعين حضور الفعل السياسي لا حضور البيان، حضور الرؤية لا حضور التعاطف، وحضور الدور الفاعل القادر على الانتقال من موقع المتابع إلى موقع الشريك في رسم التوازنات. لا استقرار دون دولة فلسطينية كاملة السيادة الموقف السعودي ركيزة المبدأ وقاعدة الإجماع الخليجي مثل الدور السعودي عبر مسار القمم الخليجية ركيزة أساسية في ترسيخ مركزية القضية الفلسطينية داخل العمل الخليجي المشترك. فمنذ القمة الأولى، كانت المملكة الدولة الأكثر وضوحاً في مواقفها تجاه الحقوق الفلسطينية، والأكثر تمسكاً بمرجعيات السلام العادل، والمحافظة على ثبات موقفها القائم على قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدسالشرقية. وقد أسهمت القيادة السعودية، من خلال مواقفها السياسية وتحركاتها الدبلوماسية، في حماية الإجماع الخليجي حول فلسطين، وفي التأكيد على أن أي ترتيبات إقليمية أو دولية لا يمكن أن تتجاوز الحق الفلسطيني. ومع التطورات الأخيرة، بات صوت المملكة هو المرجع في ضبط اتجاه المقاربة الخليجية، وبناء موقف موحد يوازن بين اعتبارات الأمن الإقليمي ومتطلبات الحل العادل، بما يعيد رسم دور الخليج في دعم فلسطين من موقع الفعل والتأثير. يشكل الموقف السعودي المرتكز الأساس الذي تتكئ عليه دول الخليج في تعاطيها مع الملف الفلسطيني. فمنذ بداية الحرب، أعادت المملكة التأكيد على ثبات موقفها التاريخي: لا حديث عن تطبيع ولا أي ترتيبات سياسية دون حل شامل يضمن قيام الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدسالشرقية. وهو موقف ظل واضحاً في اتصالات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع العواصم الدولية، وفي حضوره السياسي والدبلوماسي خلال قمتي الرياض العربية والإسلامية. وفي القمة الخليجية 46، حضر هذا المبدأ بشكل رئيسي بكلمة القادة الخليجيون بوصفه مظلة للموقف الخليجي الموحد، وبوصفه جزءاً من رؤية أشمل تسعى إلى منع تكرار سيناريوهات التصعيد، وإلى تأكيد أن الأمن الإقليمي لا ينفصل عن العدالة السياسية. الموقف السعودي هنا ركيزة استراتيجية يعاد من خلالها ضبط إتجاه البوصلة في لحظة تحولات دولية كبرى. الدور الخليجي في إعادة تشكيل المسار الدولي مع تراجع الثقة في قدرة القوى الكبرى على ضبط إيقاع الأزمة، وظهور تردد دولي واضح في التعامل مع تداعيات الحرب، تبرز دول الخليج اليوم كطرف قادر على الضغط الدبلوماسي وإعادة صياغة النقاش الدولي حول فلسطين. فقد لعبت دول الخليج أدواراً متقدمة في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية وفي نقل حجم الكارثة الإنسانية إلى المحافل الدولية. وتسعى القمة إلى ترجمة هذا الدور في خطوات سياسية ملموسة، من خلال تعزيز التحرك العربي المشترك، ودعم مبادرة عربية لتأمين إطار إقليمي للحل، وربط مستقبل العلاقات الدولية بالخيار السياسي القائم على حل الدولتين. وتدرك دول الخليج أن الفراغ السياسي الذي خلفته الحرب قد يفتح الباب أمام ترتيبات خطيرة، ولذلك تحاول القمة إعادة ضبط الاتجاه الدولي نحو مسار أكثر عدالة واستقرارا. فلسطين في قلب السياسة الخليجية يمكن القول إن حضور القضية الفلسطينية في القمة الخليجية 46 هو حضور يعكس نضج الموقف الخليجي ووعيه بمتطلبات المرحلة. فقد تحولت فلسطين من ملف تضامني إلى ملف استراتيجي يرتبط بالأمن والاقتصاد والسياسة، وبقدرة الخليج على صياغة دوره في النظام الإقليمي. وإذا كانت التحولات الدولية قد فرضت واقعاً جديداً، فان القمة تأتي لتقول إن الموقف الخليجي ثابت، وإن مستقبل المنطقة يبدأ من حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، كما أن الخليج يمتلك القدرة على التأثير، وعلى إعادة بناء مسار الحل السياسي من موقع الفعل لا الانتظار.