كل عام، يتحول يوم الثالث من ديسمبر إلى نافذة نطل بها على قضية الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية التي تمس أكثر من مليار شخص حول العالم، إنهم الأفراد ذوو الإعاقة، الذين يمثلون جزءاً لا يتجزأ من النسيج البشري، لكنهم غالباً ما يواجهون حواجز خفية ومرئية تعيق اندماجهم الكامل. إن الاحتفال بهذا اليوم ليس مجرد تذكير، بل هو دعوة لفتح الأبواب المغلقة أمام هذه الطاقات الكامنة، والتأكيد على أن حقهم في المشاركة الفعالة، والتعليم الميسر، والحياة الكريمة هو هدف عالمي يجب أن تسعى إليه كل المجتمعات. إحصاءات عالمية صادمة: فجوة الإقصاء والفقر تضع الأرقام الصادرة عن الأممالمتحدة ومنظمة الصحة العالمية واقع الأفراد ذوي الإعاقة أمام اختبار قاسٍ. فمع تجاوز عددهم ال 1.3 مليار شخص (نحو 16% من سكان العالم)، تبرز فجوة تنموية عميقة. تشير التقارير إلى أن معدلات البطالة بين هذه الفئة أعلى بثلاثة أضعاف في بعض الأحيان، كما أنهم يعيشون بمعدلات فقر أعلى بكثير من نظرائهم. ويشكل التمييز تحدياً يومياً، حيث يتعرض ما يقارب 80% منهم في الدول النامية لأشكال متعددة من الإقصاء، مما يعيق وصولهم إلى الخدمات الصحية والتعليمية الأساسية. هذه الأرقام تؤكد أن التنمية لن تكون مستدامة حقاً ما لم يتم تضمين هذه الفئة بالكامل. رؤية الأممالمتحدة: من الرعاية إلى الشراكة والتمكين تتجاوز رؤية المنظمات الدولية، بما في ذلك الأممالمتحدة، مفهوم تقديم الرعاية التقليدية لتصل إلى تحقيق الشراكة والتمكين، حيث ينصب التركيز على تنفيذ اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وضمان أن تكون البنية التحتية والخدمات الاجتماعية والتقنية ميسرة للجميع. الهدف هو تحويل الأفراد ذوي الإعاقة من متلقين للخدمة إلى مشاركين فاعلين ومساهمين في عجلة الاقتصاد والتنمية، عبر إلغاء الحواجز المجتمعية والقانونية التي تقيد حركتهم وإبداعهم. المملكة: خطوات رائدة نحو الدمج الشامل في إطار مستهدفات "رؤية 2030" ضمن محور "مجتمع حيوي"، تبرز جهود المملكة العربية السعودية في تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة ودمجهم الشامل: دعم مؤسسي متكامل: من خلال الهيئة العامة للأشخاص ذوي الإعاقة، تعمل المملكة على تيسير حصول هذه الفئة على جميع حقوقها، وتوفير بطاقة التسهيلات التي تمكنهم من الوصول إلى الخدمات والمعاملات بسهولة. تعزيز الفرص: يتم العمل بشكل متسارع على دعم التوظيف في القطاعين العام والخاص، وإطلاق المبادرات التي تهدف إلى خلق بيئة عمل وتعليم دامجة وشاملة للجميع. الرعاية النوعية: تستمر المملكة في تطوير خدمات التأهيل المتخصصة والرعاية الصحية المتقدمة، وتوفير الأجهزة المساعدة الضرورية لتعزيز الاستقلالية، مؤكدة بذلك التزامها بتحويل التحديات إلى فرص للمساهمة الوطنية الفعالة. نحو عالم لا يُترك فيه أحد خلف الركب إن التحدي الأكبر لليوم العالمي لذوي الإعاقة ليس في رصد الإحصاءات، بل في تحويلها إلى دافع للعمل الملموس. يتطلب التمكين الحقيقي التزاماً مجتمعياً شاملاً يبدأ بإزالة حاجز الوصم وينتهي ببناء البنية التحتية الميسرة. ويظل الهدف الأسمى هو الوصول إلى عالم لا يُقاس فيه قدر الفرد بمدى إعاقته، بل بمدى إسهامه وقدرته على تحقيق أحلامه، لتصبح المجتمعات أكثر عدلاً وشمولية للجميع.