بدأت جبال الطائف هذا الموسم في رسم لوحة طبيعية آسرة بعد الأمطار الأخيرة التي هطلت على مختلف مرتفعاتها، فانعكس أثرها سريعاً على سفوح جبال الهدأ والشفا والمرتفعات الغربية التي أخذت تكتسي حلة خضراء بديعة أعادت للمدينة سحرها الجبلي المعروف. ومع كل خيط شمس يلامس تلك المنحدرات العالية، تظهر مساحات ممتدة من الأعشاب والنباتات البرية التي نمت بكثافة خلال أيام قليلة، صانعة مشهداً يلفت أنظار عابري الطرق السريعة ويجعلهم يخففون من سرعتهم لالتقاط صور لا تتكرر كثيراً في هذا الوقت من العام. ومع انخفاض درجات الحرارة هذه الأيام وملامسة البرودة للعابرين، إلا أن ذلك لم يمنع الأهالي والزوار من التوجه نحو تلك المناطق المرتفعة التي باتت تستقبل ضيوفها منذ ساعات الصباح الأولى وحتى المساء. فالطائف بطقسها البارد وهوائها النقي تجذب الباحثين عن جمال الشتاء، لكن جبالها بعد الأمطار تضيف عنصراً آخر يضاعف جاذبية الرحلة ويمنح الزائر متعة مختلفة تجمع بين الانتعاش والهدوء وروائح الطبيعة التي تملأ المكان. في الهدأ، يطل الطريق المتعرج الذي يُعد أحد أشهر طرق المملكة الجبلية على مناظر لا تشبه غيرها، فغيوم الصباح الباكر تغطي أجزاء من القمم بينما تبرز الخضرة على المنحدرات في مشهدٍ جمع بين الغيم والضياء وحيوية الأرض. وتزداد هذه المشاهد جمالاً مع مرور السيارات التي تتوقف على جنبات الطريق لالتقاط صور بانورامية، أو لمشاهدة الضباب وهو ينزلق من أعلى الجبل إلى أسفله في لقطة تتكرر لكنها لا تفقد قيمتها الجمالية أبداً. أما في الشفا فقد اكتملت تفاصيل الشتاء الجبلي بكل سماته، فالمرتفعات العالية هنا أصبحت وجهة رئيسية لعشاق الأجواء الباردة، والعائلات التي تبحث عن متنفس طبيعي بعيد عن صخب المدن. وعلى الرغم من برودة الطقس التي تشتد ليلاً، إلا أن المقاهي المطلة على الأودية والسفوح ما زالت تعج بالزوار الذين يجدون في الجلسات الخارجية متعة خاصة لا توفرها إلا هذه المنطقة تحديداً. ولا تزال الأكواخ الجبلية والاستراحات في الشفا تشهد إقبالاً متواصلاً من محبي قضاء يوم كامل بين السحب المتناثرة والهواء النقي الذي يهب من أعالي الجبال، فيما يتوجه آخرون إلى المناطق البرية المحيطة للمشي والتنزه والتقاط الصور للنباتات التي ظهرت بكثافة بعد الأمطار. ويبدو واضحاً أن الزوار القادمين من مكةالمكرمةوجدة والمحافظات القريبة وجدوا في الطائف مقصداً شتوياً مثالياً يجمع بين برودة الطقس ودفء المكان، خصوصاً مع تميز المدينة بطرقها الجبلية وشبكة مرافقها السياحية التي تستوعب هذا النوع من الحركة الموسمية. كما لعبت سهولة الوصول عبر طريق الهدا وطريق السيل في تعزيز الإقبال يومياً، إذ تشهد المداخل ازدحامًا ملحوظاً في عطلات نهاية الأسبوع، بينما يظهر النشاط السياحي على طول المنطقة من خلال حركة المحال والمطاعم والمتاجر التي تنتعش مع كل موجة جديدة من الزوار. ويؤكد عدد من الأهالي أن الأمطار الأخيرة أعادت للطائف مظهرها الطبيعي الذي اعتاده سكانها وزائروها، إذ تُعرف المدينة منذ القدم بجمال جبالها وغزارة نباتاتها بعد موسم المطر، وهو ما يعد عامل جذب أساسياً لكل من يرغب في الاستمتاع بعنصر الطبيعة الصافية دون أي تكلف. كما أن الإقبال المتزايد على المرتفعات يؤكد مكانة الطائف كواحدة من أبرز مدن المملكة التي تجمع بين التاريخ والمناخ والجغرافيا الخاصة. وتنعكس هذه الحركة السياحية أيضاً على الحياة اليومية في المدينة، حيث تشهد الأسواق والفنادق والشقق المفروشة حركة ملحوظة، فيما تعمل الجهات الخدمية على مواكبة تزايد الأعداد بشكل يومي، خاصة في المناطق المرتفعة التي تتطلب استعداداً دائماً لضمان انسيابية الحركة والمحافظة على سلامة الزوار. ومع كل موجة جديدة من الأمطار، يتجدد المشهد الأخضر وتزداد الجبال جمالاً، ما يجعل الطائف حاضرة بقوة في ذاكرة الزوار الذين يفضلون العودة إليها كلما سنحت الفرصة، فالمدينة التي تجمع بين عبق التاريخ وجمال الطبيعة لا تزال تقدم لزائريها كل يوم لوحة مختلفة من الإبهار، لتؤكد مرة أخرى أنها عروس المصايف وأحد أجمل وجوه المملكة شتاءً وصيفاً.