البارابرافاس إحدى أشهر وأخطر الظواهر الجماهيرية في أميركا الجنوبية، وبالذات الأرجنتين، فهي ليست مجرد روابط مشجعين، ولكنها مجموعات جماهير متشدّدة تنتمي تقليدياً لأندية الأرجنتين (مثل: بوكا جونيورز، ريفر بليت، راسينغ، إندبندينتي...)، وتعمل بطريقة تشبه "الميليشيات الصغيرة" داخل المدرجات وخارجها، وتشكل خطراً ليس فقط على اللعبة ولكن على الجماهير أيضاً. ليس هناك ربط -والحمد الله- بين جمهورنا وتلك العقليات، ولكن مباراة الاتحاد والأهلي الماضية لم تكن مجرد مواجهة كروية عابرة في جدول دوري روشن، بل تحوّلت إلى مسرحٍ لصراع جماهيري رمزي بعدما رُفع بنر حمل عبارة مسيئة تجاه النادي الأهلي، وعلى الرغم من أن مثل هذه العبارات تُصنَّف عادة ضمن حروب نفسية معتادة في كرة القدم، إلا أن الأمر كشف جانبًا أكثر عمقاً يجب التوقف عنده، ليس من زاوية المنافسة الرياضية فقط، بل من زاوية الأمن الجماهيري وتوازن المشهد الرياضي. اللافتة لم تكن مجرد قطعة قماش؛ هذا النوع من الرسائل قد يبدو للبعض "جزءاً من الترفيه"، لكنه يحمل في داخله بذوراً قد تتحول (إن تُركت بلا ضوابط) إلى شعارات تحريضية تتجاوز حدود المدرج، وهو ما دفع اللجان المختصة للتحرك للتأكيد على أن البيئة التنافسية في الدوري ليست مفتوحة بلا حواجز، وأن للمدرج حدوداً يجب ألا تُكسر لتصل إلى البعد الأمني، حيث يبدأ القلق الحقيقي، فالمسألة هنا لا تتعلق بنادٍ ضد آخر، بل تتعلق بما يمكن أن يحدث بعد مثل هذه الرسائل. كرة القدم الكرة السعودية اليوم تملك حضوراً جماهيرياً ضخماً، واستثمارات كبيرة، ومكانة دولية متصاعدة وأي تصعيد جماهيري غير محسوب قد يتحول إلى شرارة (صغيرة لكنها كافية) لإحداث احتكاكات بين الجماهير خارج الملعب، أو انفلات لفظي في مواقع التواصل وشحن نفسي قد يمتد لمباريات لاحقة، وهنا تأتي حساسية الرقابة الأمنية التي تراقب مثل هذه التفاصيل، ليس كمخالفات رياضية بل كمؤشرات اضطراب محتمل فالملاعب الحديثة ليست مجرد مدرجات، ولكن بيئة تتطلّب إدارة سلوك، وضبط إيقاع، ومراقبة ديناميكيات الجمهور باللحظة. التجارب الدولية تقول إن الكوارث الكبيرة بدأت دائماً بسلوك صغير تم التغاضي عنه، فظاهرة "البارابرافاس" بدأت بلافتات واستفزازات بسيطة... ثم تحولت إلى أعنف جماهير الكرة في العالم، وفي تركيا، كانت البداية عبارات ساخرة... وانتهت لاحقاً إلى اشتباكات ووقف مباريات، أما في إيطاليا، أدى التعصب الجماهيري في لاتسيو وروما إلى مقتل مشجع بسبب مناوشات "غير مقصودة"، ولذلك تعاملت الجهات المسؤولة مع الأمر بجدية لأنها تدرك أن الاستهانة بالشرارة هو أصل المشكلة. توازن المشهد الرياضي... مسؤولية مشتركة الأندية اليوم ليست فقط مسؤولة عن لاعبيها ومدربيها، بل مسؤولة أيضاً (بشكل مباشر) عن سلوك جماهيرها فالوعي، التوجيه، التنظيم، وبناء ثقافة "التشجيع الذكي" هو الطريق الوحيد للحفاظ على بيئة صحية، وفي المقابل، لدى الجماهير مسؤولية لا تقل أهمية وهي حماية مدرجاتها من أن تتحول إلى مساحة تحريض واستفزاز يجرّ الجميع إلى فوضى غير محسوبة. نحن أمام دوري يطمح للريادة العالمية، وجماهير تتكاثر، وإعلام يتضخم، واستثمارات بمئات الملايين. هذا المشهد لا يحتمل منزلقات صغيرة، الأمر لا يتعلق بمن استفزّ من، بل يتعلق بخط الأمان الذي يجب ألا يتجاوزه أحد وما بين حرية التشجيع وحدود التعصب، توجد منطقة يجب أن نقف عندها جميعاً إدارة، وجمهوراً، وإعلاماً. محمد العمري