عندما نختلف في الرياضة نعرج في سقف الحرية ونقول (تنافس شريف) طالما أن هناك أكثر من فريق يطمح في الوصول إلى منصات التتويج. كل ذلك نتفهمه، ولكن ما لا نتفهمه ولا يمكن أن نستوعبه، ولا حتى في يوم من الأيام نقبله أن يطغى الخلاف بين المشجعين حول نجوم الكرة العالمية لدرجة التعصب الأعمى. نعرف ان الصورة أصبحت مغايرة تماما فبمجرد ان تبدأ البطولات العالمية حتى يحتد الخلاف بين الجماهير حول نجومهم ومنتخباتهم المفضلين. الكرة خلقت من اجل المتعة والتقارب فيما بيننا، وليس من اجل توسيع رقعة الخلاف، حتى وصل بنا الحال الى تعصب أعمى، ويا ليت هذا التعصب حول شيء يمت لنا بصلة، وانه من أجل منتخبات لا علاقة لنا بها من قريب أو بعيد، وكل ما يربطنا بها هو امتاعنا في كرة القدم، فلماذا التعصب؟! التعصب ضرب بجذوره لدينا فعندما تستمع لجماهير ريال مدريد وهي تهاجم ميسي، وكذلك الحال بالنسبة لجماهير برشلونة وهي تقلل من قيمة رونالدو بل وتتمادى في الشماتة من اخفاق الدون ستعرف حينها الى أي مدى وصل بنا الحال من التعصب؟. التعصب الرياضي ملف قديم جديد، يُفتح إبان الأزمات ويُغلق في فترات طويلة بدون علاج ولا حلول. الحديث عن التعصب الرياضي أصبح خبز الرياضيين ووجعهم، وأحيانا فرحهم، فهو تجارة رابحة عند البعض وخاسرة عند البعض الآخر. التعصب الذي نشهده في ساحتنا هو هرم مقلوب، بمعنى أن الجمهور ضحية وليس جلادا. المواقف المأزومة في الشارع الرياضي أغلبها لم تخرج من رحم المدرجات، ولا هتافات الجماهير ولا صيحاتهم، إن حدث ذلك، فهي حالات نادرة، أمّا السواد الأعظم من الخروج عن النص الرياضي، فغالبا ما يأتي عبر الفضاء أو الورق، بجرة قلم إعلامي، أو بتصريح إداري. أصابع الاتهام تتجه نحو المسؤول والإعلام في الساحة الرياضية، والجمهور هو جهة منفذة لتلك الشطحات التي تخرج عن النص من صناع القرار والسلطة الرابعة التي تشعل فتيل الأزمات. التعصب كلمة فضفاضة، وفي دول العالم، الجمهور منبعها، ولكن التشخيص لأغلب التقارير المنصفة في شارعنا الرياضي، يثبت أن التعصب الرياضي محليا ليس من المدرج، بل إن هذا المدرج تابع وليس قائدا لما يحدث من خروج عنيف عن النص. المشكلة في تشخيص التعصب «محليا»، أن الجميع يرمي بالكرة على المدرج، لذلك تكون الحلول ضعيفة، لا ترتقي لعلاج ناجع وهدف واضح، فكل ما في المعالجة عبارة عن إنشاء وتوصيات في غير محلها. أعتقد أن التركيز لعلاج هذه المعضلة على توعية الجمهور أمر مكرر ومقزز ومنفر، بل إنه لا يشخّص الواقع، فليس هناك حوادث في المدرج أنتجت عنفا أو اشتباكات أو تكسيرا أو تخريبا، نعم هناك بعض الهتافات المتقطعة، ولكنها لا تشكّل ظاهرة، ولكن ما يشكل ظاهرة تنمّ عن تعصب مقيت، يتضح في تصريحات المسؤولين وأقلام الإعلاميين، ولسان المتحدثين في الفضاء. اللوائح والأنظمة والعقوبات والإيقافات، هي حلول لا يمكن تجاهلها، أمّا توعية الجمهور وتثقيفه، فهي حلول تعزز أصل التعصب لأن التشخيص خاطئ..!!