في عام 2023 كتبتُ مقالًا بعنوان "القدية أن تلعب أكثر"، تناولتُ فيه المشروع بوصفه رؤية طموحة تتشكّل في الخيال الوطني. اليوم، وبعد عامين من العمل المتسارع، أصبحت القدية واقعًا نابضًا يستعد لمرحلة التشغيل، لتتحول من مشروعٍ قيد التنفيذ إلى تجربة حضرية واقتصادية تُعيد تعريف مفهوم الترفيه في المملكة. ويبدو أن لعبتها الكبرى قد بدأت بالفعل. القدية، الواقعة على بُعد نحو سبعين كيلومترًا جنوب غرب الرياض، لم تعد فكرة مستقبلية، بل مشهد فعلي يتكامل فيه العمران بالتجربة. فزيارات الإعلاميين والمؤثرين، وردود فعل الزوار الأوائل، تكشف حجم الترقّب وفرح الناس بما يُنجز على أرض الواقع. إنها صورة مصغّرة لطموح الإنسان السعودي في بناء مدن تُشبه أحلامه، مدن لا تُنتج المتعة فحسب، بل تصوغ معنى جديدًا للحياة المعاصرة. ومع اقتراب نهاية عام 2025 تستعد القدية لافتتاح أولى وجهاتها الترفيهية الكبرى، وفي مقدمتها متنزه Six Flags القدية، الأكبر من نوعه في الشرق الأوسط والأول خارج الولاياتالمتحدة، على مساحة تتجاوز 320 ألف متر مربع، إلى جانب متنزه أكواربيا المائي الذي سيكون الأكبر في المملكة والثاني عالميًا بمساحة تقارب 250 ألف متر مربع. يمثل الافتتاح المشترك لهذين المشروعين نقطة تحول نوعية في قطاع الترفيه السعودي، إذ يضع المملكة في موقع ريادي على خريطة المدن الترفيهية العالمية. فلسفة القدية تتجاوز التسلية العابرة إلى اللعب كمنهج حياة، يمزج بين الإبداع والعمل، ويحفّز الاقتصاد كما يثري الوجدان. من يدخلها لن يكون متفرّجًا، بل فاعلًا في التجربة، يصنعها كما يعيشها. إنها دعوة للانخراط في حركة حضرية جديدة تجعل من المشاركة محورًا للتنمية. الأرقام وحدها تعبّر عن حجم التحول: أكثر من ثلاث مئة ألف فرصة عمل، وملايين الزوار سنويًا، واستثمارات محلية ودولية تتقاطع في فضاء واحد. القدية بهذا المعنى مختبرٌ للمستقبل، تلتقي فيه التكنولوجيا بالرياضة، والفن بالهندسة، والخيال بالتنظيم، لتجسّد فكرة أن الترفيه موردٌ اقتصادي وثقافي في آنٍ واحد. وفي المرحلة التالية، تتعمق الرؤية في بناء الإنسان: برامج تدريبية متقدمة لصُنّاع التجربة، ومبادرات لاكتشاف المواهب الوطنية في مجالات التصميم والهندسة والإدارة. فالمشروع لا يُنشئ مدينة فحسب، بل يُكوّن جيلًا مؤهّلًا لإدارتها واستدامتها وتحويلها إلى علامة وطنية راسخة في الوعي الجمعي. إنها لحظة تُشبه رفع ستارة المسرح بعد طول استعداد.. الضوء على المشهد، والأنظار إلى الرياض التي تستعد لولادة نمط جديد من الحياة الحضرية. القدية لا تعدُ بالمستقبل، بل تجسّده. ومن خلالها تدخل المملكة زمن التجربة والإبداع، زمنا تُصبح فيه التنمية حدثًا يُعاش؛ لا شعارًا يُقال. نعم، القدية أن تلعب الآن، والمملكة كلها تمضي بخطى واثقة في اللعبة الكبرى نحو المستقبل.