الزيارة التي يبدؤها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لواشنطن يوم غدٍ، 18 نوفمبر، تأتي في توقيت يتجاوز حدود الملفات الثنائية، ما يلفت الانتباه هذه المرة اللغة التي تستخدمها حالياً أشهر وسائل الإعلام الأميركية في قراءة الزيارة قبل وصول الوفد السعودي. هناك تحوّل واضح في طريقة تناول الإعلام الأميركي للمملكة، تحوّل في الأسئلة، وفي زاوية التحليل، وفي طبيعة الاهتمام نفسه، في الزيارة السابقة، كانت وسائل الإعلام الأميركية تنظر إلى السعودية عبر عدسات ضيقة، كان الحوار السياسي والإعلامي محكوماً بتفاصيل جانبية تأخذ مساحة أكبر من حجمها.! اليوم تغيّرت الصورة، اللغة أصبحت أكثر هدوءاً، والاهتمام الإعلامي يتجه نحو فهم "الدور" المهم للسعودية بالخارطة العالمية، فصحيفة (وول ستريت جورنال) مثال بارز لهذا التحول، حيث كانت تركز في الزيارة الماضية على نقاط الخلاف، واليوم تغيرت اللغة الإعلامية لها حيث تكتب اليوم برؤية مختلفة، وتتعامل مع زيارة الغد بوصفها محطة لقياس مرحلة ناضجة في العلاقة بين الرياضوواشنطن. أما (واشنطن بوست)، التي كانت تنظر سابقاً إلى الزيارة من زاوية الجدل السياسي، فتقدم اليوم قراءة تتعلق بطريقة تواصل السعودية مع واشنطن، وبالخطاب السياسي الواثق الذي تعتمده المملكة في طرح رؤيتها الإقليمية، فهي تربط الزيارة بما تصفه ب"اتساق الرسائل السعودية"، وتعتبرها لحظة لقياس أسلوب جديد من إدارة الملفات بين البلدين. وفي الجانب الاقتصادي وهو الأهم في هذه المرحلة، نجد تغير في لغة الوسيلة الأشهر إعلامياً بمجال الاقتصاد شبكة (بلومبيرغ) حيث نجدها تتوقع أن تكون ملفات التقنية، والطاقة الجديدة، والصناعة المتقدمة، محور الاهتمام الإعلامي أثناء الزيارة. هذا التغير يعكس موقعًا اقتصاديًا جديدًا للمملكة في الخطاب الأميركي، ويكشف أن الرياض أصبحت جزءاً من نقاش المستقبل، لا من دورات السوق. فبالتزامن مع الزيارة التاريخية نجد ان وسائل الإعلام الأميركية ركزت وبعمق على قراءة التحولات الاقتصادية والاجتماعية داخل المملكة بوصفها أساساً لطبيعة العلاقة المقبلة مع واشنطن، وهذا هو المهم والواقع الحقيقي الذي تعيشه السعودية الجديدة. ومن جانب آخر لفت انتباهي وأنا أتابع الأصداء الإعلامية لما قبل الزيارة ومن وجهة نظر مختلفة عن السياق الإعلامي الأميركي ما قدمته (DW عربية) الألمانية بتقرير إعلامي جاء من زاوية مختلفة، إذ يشير التقرير إلى أن الزيارة بعد سبع سنوات من الغياب عن اللقاءات المباشرة في واشنطن تحمل دلالات تتجاوز الملفات التقليدية، وتلمّح إلى حضور سعودي ينتقل من موقع المتابعة إلى موقع التأثير. لذلك ومن الناحية الإعلامية تحديداً تأتي زيارة 18 نوفمبر لتكون بالفعل مرحلة لدور سعودي مختلف بالمنطقة، مرحلةٌ جعلت لغة الإعلام الأميركي يتناولها بعقلانية، عكس ما كان بالسابق، وبما يتواءم مع علاقة واشنطن مع الرياض بصفتها شريك استراتيجي مهم ولها حضورها المستقبلي على جميع المستويات بالمنطقة.