منذ سطعت شمس بلادنا المباركة على أقدس بقاع الأرض، الحرمين الشريفين، والعالم يقرأ تاريخاً عظيماً مضمّخاً بالمجد، وعابقاً بالفخر، هذا التاريخ تم كتابته بمداد من عرق وجهد، وقبلها إيمان راسخ، ويقين لا يتزعزع، بأن خدمة الحرمين الشريفين شرف عظيم لا يدانيه شرف. وهذا الشرف بات إرثاً من العطاء، والاحتفاء، والحفاوة بأقدس بقاع الدنيا توارثه ملوك وقادة هذه البلاد العظيمة. ولقد ترسّخ هذا الجهد، وتلك الحفاوة، في رعاية الحرمين الشريفين منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه-، فأصبحت العناية بالحرمين الشريفين هي جوهر المشروع السعودي، ومحور عنايته الأولى، فمنذ أن وحّد الملك عبدالعزيز البلاد تحت راية التوحيد، أيقن أن أعظم ما يُبنى هو ما يُبنى حول البيت الحرام، وأن أسمى ما تُسخَّر له الإمكانات هو راحة ضيوف الرحمن. وبفضل الله وتوفيقه، منذ ذلك العهد المبارك، تعاقبت عهود من التوسعة والتطوير والنهضة، حتى تحوّل الحرمان الشريفان إلى رمزٍ عالميٍّ للإدارة والإتقان والإنسانية، تُقاس به المعايير، وتُستلهم منه الرؤى. وكل منصف ومتابع يدرك بأن مكةالمكرمة، والمدينة المنورة، لم تشهدا في تاريخهما الممتدّ عصوراً من الازدهار كالتي شهداها في ظلّ القيادة السعودية الرشيدة، حيث تجاوزت العناية بالبناء والعمران إلى رعاية الإنسان والزائر والحاج والمعتمر، من خلال منظومات خدمية وأمنية وصحية وتنظيمية متكاملة، جعلت تجربة الحج والعمرة نموذجاً في التحديث دون المساس بالقداسة، وفي الجمع بين الروح والعلم، وبين التراث والتقنية. لقد وقف العالم على الجهود العظيمة التي حظي بهما الحرمان الشريفان، ومنها ما شهدناه الأيام الماضية من صور الاحتفاء والعناية، وهو ملتقى تاريخ الحج والحرمين الشريفين، لتؤكد أننا في هذا الملتقى، لا نحتفي بما تحقق فقط، بل نؤرّخ للحفاوة ذاتها: كيف تحوّلت خدمة الحرمين إلى ثقافةٍ مؤسسية، وإلى منهج عملٍ يتجدد بتجدد المواسم. نقرأ تاريخ التوسعات، ونستعيد قصص البناء، ونتأمل رحلة التطوير التي جعلت من الحج تجربة إنسانية وروحية متكاملة، تحاكي المستقبل وتحافظ على الأصالة. إنها تجربة وطنٍ حمل رسالة الإسلام بصدقٍ وأمانة، وأيقن أن شرف المكان لا يُصان إلا بصدق النية، وأن خدمة الحرمين الشريفين هي ذروة سنام الشرف والسيادة.