انتشر مؤخراً خبرٌ مفاده أن نجل مدير دائرة التحكيم السعودي، فرهاد عبدالله، يلعب في نادي النصر. خبرٌ بسيط في ظاهره، وربما غير ذي أهمية لمن (يكبُر) رأسه عن التفاصيل الصغيرة، لكنه أثار ضجة غير مبررة، ولا أدري ماذا ينتظر مثيرو الجدل في مثل هذه الحالات؟ هل يريدون من الرجل أن يرسل عائلته خارج المملكة حتى لا يُتهم بتعارض المصالح؟ أم أن عليه أن يقتل حلم ابنه في ممارسة اللعبة لأنه يعمل في منظومة تحكيمية، أم أن منظومتنا الرياضية فعلاً بهذه الهشاشة، عملياً وأخلاقياً، بحيث يمكن لهذا الأمر أن يهز الثقة فيها؟ هذا التساؤل قادني إلى قضية أعمق وأهم، لا تتعلق بهذه الحادثة تحديداً، بل بفكرة "الشفافية في التواصل الرياضي"، وكيف أن غيابها يُفسح المجال دائماً للريبة والتأويل والمبالغات في البيئات الرياضية المتقدمة، يتم التعامل مع مثل هذه الأخبار عبر بيانات واضحة، وتوضيحات رسمية فورية تُغلق باب الجدل وتمنع تضخم الشائعات. هناك إدراك مؤسسي بأن الصمت يُضاعف الأزمة، وأن الرأي العام لا يملأ الفراغ إلا بتفسيرات قد تكون مضللة أو ظالمة، فالاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، على سبيل المثال، يملك منظومة اتصال دقيقة تشرح حيثيات قراراته وترد على التساؤلات دون انفعال أو تردد، إدراكاً بأن "الوضوح هو خط الدفاع الأول عن المصداقية". على الرغم من التطور الكبير في إدارة القطاع الرياضي، إلا أن "غياب الشفافية الاتصالية" لا يزال نقطة ضعف بارزة. كثير من القرارات تُعلن دون سياق أو تفصيل، أو توضيح أو تفصيل لتُترك المساحة مفتوحة أمام "المصادر" و"المحللين"، فيتحول النقاش من فهم القرار إلى التشكيك في النوايا، فلا يكفي أن تكون القرارات صحيحة من الناحية القانونية، بل يجب أن تكون مفهومة ومُبررة من الناحية الاتصالية. فالمصداقية لا تُبنى فقط بالفعل، بل بطريقة شرح هذا الفعل للناس. إن بناء ثقافة الشفافية لا يتحقق عبر نشر البيانات فقط، بل من خلال منظومة اتصال مؤسسية تعتمد التوضيح الفوري، وتستخدم لغة مهنية متزنة، وتتعامل مع الجمهور كشريك لا كخصم، فالرياضة الحديثة تُدار بالكلمة بقدر ما تُدار بالكرة، وأي مؤسسة تُهمل جانب التواصل تفقد تدريجياً ثقة جمهورها، مهما كانت كفاءتها الفنية. ما نحتاجه اليوم ليس قرارات عادلة فقط، بل قرارات مُعلنة بوضوح، تُشرح وتُناقش ضمن سياق مؤسسي ناضج، فحين تكون الشفافية ممارسة يومية لا استجابة لأزمة، يصبح الرأي العام حليفاً لا خصماً، وتتحول الثقة إلى رأس مال حقيقي لأي منظومة رياضية تسعى للاستدامة. محمد العمري