شاهدت من خلال فلم "Flow" قصة القطة التي واجهت الغرق وتشبثت بالحياة، مروراً بالكثير من الأحداث المليئة بالدلالات العميقة، ودوّنت أثناء مشاهدة الفلم الكثير من الأفكار التي وجدت أنها صالحة للكتابة، إلا أنني تجاوزت كل هذه الأفكار حين تأملت بعد مشاهدة الفلم، فهمي للرسالة وتفاعلي مع الأحداث، دون أن أمر خلال ساعة ونصف بأي كلمة مكتوبة أو منطوقة! حينها تساءلت: ماذا لو غابت اللغات الإنسانية؟ خطر لي هذا السؤال لأننا نعتبر اللغة طريق الوصول، في الوقت الذي عزز غيابها وصول الرسالة ووسّع مدى الجمهور المستهدف في هذا الفلم، بقدرٍ لا تستطيع اللغات الوصول إليه، فقد ذكرت دراسة نشرتها جامعة هارفادر عام 2022 أن نحو سدس سكان العالم فقط يتحدثون اللغة الإنجليزية بدرجة من الكفاءة، والإنجليزية أكثر اللغات انتشاراً على ألسنة الناس اليوم. من مِنّا لا يفهم ابتسامة الترحيب؟ وانحناءة الامتنان؟ ونظرة الخوف والارتباك؟ إذ تدل هذه السلوكيات ونظيراتها، على معانٍ يتفق العالم على فهمها، مع اختلافهم في طرق تفسيرها. تدور اللغات مهما اختلفت وتعددت حول الإنسان وعواطفه، وتحاول التعبير عن أفكاره ومشاعره؛ فلم لا نفكر في إيصال رسائلنا للإنسان دون المرور بجسر اللغة في بعض الأحيان؟ تعلمنا السيميائية من خلال دراستها للإشارات وتفسيراتها، والبحث فيها باعتبارها أحد أجزاء الحياة الاجتماعية، أن الرسوم واللوحات والصور، والأصوات، ولغة الجسد، وحتى الروائح، يمكن أن تفتح أمام الإنسان طريق الإبحار فيما يراه ويلمحه من المعاني والدلالات، وتمكنه كما يشير بنكراد من التقاط المعاني الضمنية التي قد تعجز اللغات عن إيصالها. لقد أضحك الممثل تشارلي تشابلن العالم، وأصبح من الشخصيات البارزة في تاريخ صناعة السينما دون أن ينطق بكلمة واحدة، حيث استخدم تعابير وجهه وحركاته الجسدية وإيماءاته، بدلاً من الكلمات، لإيصال المشاعر والكوميديا دون المرور بحواجز اللغات. يمكن أن يفكر المهتمون بالتواصل والتسويق خصوصاً في المشاريع الثقافية والسياحية التي يُراد لها أن تجذب العالم الذي يتحدث 7 آلاف لغة حول سؤال مهم، مع استحضار مظاهر الكرم الأصيل والتجارب الثرية القادرة على الإبهار بنفسها دون لغة: كم ستكلفنا محاولة الوصول إلى كل فرد من العالم بلغته؟ وماذا سنربح إن نجحنا في الوصول إلى العالم بلا لغات؟