"السينما منذ عقود ومازالت، تُمارس العديد من الأدوار والوظائف والتأثيرات، لعلّ أهمها على الإطلاق، تلك الحالة المعقدة التي تتمثل بتصوير وعرض وكشف هموم وشؤون المجتمعات بمختلف أفرادها وشرائحها، خاصة المهمشة أو تلك التي تسكن الظل"، تلك كانت الترجمة السريعة من الإيطالية للعربية التي التقطتها على عجل من الأكاديمي السعودي في جامعة الملك سعود والخبير في الشأن الإيطالي عبدالرحمن الطحيني الذي كان يُسابق الحروف التي يُطلقها المخرج الإيطالي الشهير ماركو بيلّوكيو وهو الضيف الرئيسي على مؤتمر النقد السينمائي الدولي الذي أقيم في العاصمة الرياض قبل عدة أيام تحت شعار "السينما.. فنّ المكان"، مختتماً محطاته الثلاث التي بدأها في أبها، مروراً بالقطيف، ليكون كلاكيتها الأخير في الرياض. ويُعتبر هذا المخرج المخضرم الذي يتجاوز عمره ال86 عاماً، أحد أعمدة السينما الإيطالية والأوروبية، فهو ممثل وشاعر ويملك رؤية فلسفية متفردة ومتمردة، واشتهر بأفلامه الجريئة التي تنتقد الأفكار والأنماط السائدة في المجتمع، ما جعله يُصنّف كأحد أهم المخرجين في تاريخ السينما الأوروبية، كما نال جائزة السعفة الذهبية الشرفية عن مجمل مسيرته الثرية الممتدة لأكثر من خمسة عقود من مهرجان كان السينمائي في دورته ال74 في عام 2021. كيف لمقدمة مُتخيلة/ مُعدة لأن تكون صغيرة أن تلتهم نصف مقال كاتب محترف منذ ربع قرن، ولكنها غواية الكتابة وتمرّد الفكرة. سأحاول بما تبقى من فضاءات البياض أن أصل لهدف هذا المقال وهو الكتابة عن الفن السابع السعودي الذي بدأ يتشكّل ويتأثث في فكر ومزاج المشاهد السعودي، فضلاً عن الصانع السعودي الذي يجد كل الفرص والإمكانيات والاستديوهات العالمية التي جعلت من قطاع السينما والأفلام في المملكة يخطو بثبات لصنع سينما سعودية. المهرجانات والندوات والورش السينمائية في مختلف مناطق ومدن المملكة تكاد لا تتوقف عن العرض والدوران، وكادر اللقطة ومشهد الدهشة، أشبه بشريط سينمائي مللمتري صغير المقاس ولكنه أكبر من حدود التخيّل وأخطر من جرأة التمرّد. السينما السعودية بقيادة هيئة الأفلام التي يقودها المخرج وصانع الأفلام السعودي عبدالله آل عياف صاحب فيلم "السينما 500 كم" والذي أنتج عام 2006 والحائز على النخلة الذهبية لأفضل فيلم تسجيلي بمسابقة أفلام السعودية لعام 2008، تعيش تحوّلاً نوعياً وكمياً يعكس حجم الشغف الكبير الذي يصنعه الفيلم السعودي الذي يحظى بإعجاب وتقدير صنّاع الفن السابع من كل العالم. على مدار ثلاثة أيام مدهشة، كانت الممرات والقاعات مزدحمة بعشاق الأفلام من الشباب والشابات، تماماً كما كانت مزدحمة بالندوات واللقاءات والورش والنقاشات والعروض، وذلك في مؤتمر النقد السينمائي الدولي الذي نظمته بكل حرفية وذكاء هيئة الأفلام في قصر الثقافة في الرياض قبل عدة أيام. الفيلم السعودي الآن في طريقه لتجاوز كل تلك المخاضات والتحديات، ليتحوّل إلى قيمة وثقافة في فكر ومزاج المشاهد السعودي الذي يُقبل بشغف وزخم على صالات السينما وهو الناقد الأول والترمومتر الحساس لكل التجارب السينمائية السعودية الجديدة. كذلك، نحن على موعد قريب لأن يُشار لصناعة الأفلام السعودية كقوة ناعمة تصنع الدهشة والتأثير وذلك بما يتناسب مع حجم وقوة وطننا العزيز.