قبل سنوات، لم يكن أحد يتخيل أن يتمكن المريض من استشارة طبيب، وإجراء تشخيص دقيق، والحصول على وصفة علاجه، كل ذلك من منزله، دون الحاجة إلى زيارة مستشفى. اليوم، أصبح هذا الواقع أقرب من أي وقت مضى، بفضل الثورة الرقمية التي تشهدها الأنظمة الصحية حول العالم، والسعودية ليست استثناءً، بل تقود هذا التحول بخطوات متسارعة، فهل يمكن أن نصل إلى مرحلة نستغني فيها عن المستشفيات التقليدية؟ التحول الرقمي في القطاع الصحي ليس مجرد تطوير تقني، بل إعادة هيكلة جذرية لكيفية تقديم الرعاية الطبية، من السجلات الصحية الإلكترونية إلى الروبوتات الجراحية، مرورًا بالذكاء الاصطناعي والتطبيب عن بعد، يشهد القطاع طفرة غير مسبوقة، تتماشى مع رؤية 2030، فقد أطلقت وزارة الصحة العديد من المبادرات مثل السجل الصحي الموحد الذي يربط جميع المنشآت الصحية بمنصة رقمية واحدة، إضافة إلى التوسع في العيادات الافتراضية التي تتيح للمرضى التواصل مع الأطباء عبر تقنيات الفيديو والذكاء الاصطناعي، مما يسهل الوصول إلى الرعاية الطبية في المناطق النائية ويخفف الضغط على المستشفيات. أحد الأمثلة الرائدة على هذا التطور هو "منصة صحتي"، التي توفر خدمات رقمية مثل: الموافقات الطبية والتقارير الطبية الإلكترونية، كما أن الروبوتات الجراحية أصبحت جزءًا من منظومة الطب الحديث، حيث تتيح للجراحين إجراء عمليات دقيقة عن بُعد، مما يفتح الباب أمام مستقبل قد لا يكون فيه المستشفى بالشكل التقليدي الذي نعرفه اليوم. رغم التوسع الكبير في الخدمات الرقمية، فإن بعض الجوانب الطبية ستظل بحاجة إلى المستشفيات التقليدية، مثل: الحالات الطارئة، والعمليات الجراحية الكبرى، والرعاية الحرجة. لكن الاتجاه الحالي يشير إلى تحول المستشفى من مكان مزدحم بالمرضى إلى مركز متخصص للحالات المعقدة فقط، في حين تتم الرعاية الأولية والتشخيص والعلاج عبر الوسائل الرقمية، إذ لم يعد هذا الأمر مجرد نظرية، بل نرى اليوم نموذجاً رائداً للمستشفيات افتراضية بالكامل وهو "مستشفى صحة الافتراضي" في مملكتنا الغالية، الذي يقدم استشارات وتشخيصًا رقميًا، مما يعزز فكرة أن التحول الرقمي ليس مجرد تحسين للخدمات، بل إعادة تعريف لمفهوم الطب الحديث. أخيراً، المستشفيات التقليدية لن تختفي تمامًا، لكنها ستتغير جذريًا، ومع تطور التكنولوجيا، قد نصل إلى نقطة يكون فيها الوصول إلى الرعاية الطبية أسرع، وأكثر دقة، وأقل كلفة، مما يجعل الخدمات الصحية أكثر كفاءة وشمولية. السؤال الذي يظل مفتوحًا: هل نحن مستعدون لهذا المستقبل، أم أن الطب التقليدي سيظل حاضرًا رغم الرقمنة؟ عبدالله بن يوسف العثمان