من يستطيع القول اليوم إن هناك رابحاً في الحرب التجارية الأميركية الصينية، خاصة بحجم هاتين الدولتين الأكبر اقتصادياً في العالم! قد تكون هناك مكاسب، هذا صحيح، ولكن هناك خاسرون ولا شك في ذلك، فمثلاً بعد الرسوم الجمركية الأخيرة التي قررها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وردّ الصين برسوم أيضاً، تضرر المستهلك الأميركي الذي سيدفع أسعاراً أعلى للسلع المستوردة من الصين، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تستغني عن الصين كلياً بكل الأحوال، ويكفي مثلاً أن نجد مصانع وصناعات أميركية تتم بالصين كشركة أبل وتسلا. كذلك المزارع الأميركي تضرر جداً بعدما أوقفت الصين شراء فول الصويا ومنتجات زراعية أميركية أخرى، التضخم ارتفع نسبياً في الولاياتالمتحدة لأن التكلفة الصينية أقل مع توفر السلع، ويُطرح سؤال مهم عن عدالة التجارة بين الولاياتالمتحدةوالصين، الولاياتالمتحدة ترى الصين التحدي الأكبر عالمياً لها اقتصادياً، وهي من تملك رؤية مستقبلية واعدة قياساً بالنمو الذي حققته خلال ثلاثة عقود من الزمن، وترى الولاياتالمتحدة مهمّتين عليها العمل عليهما بقوة، أولاها الحد من انطلاقة الصين بمنعها من تقنيات الأميركية ك"الرقائق" وحظرها على الصين، لكبح انطلاقتها وإضعافها من خلال المنع والحظر، ،خلق عوائق أمام الصين بإحداث تغيير جوهري في الاقتصاد العالمي كما هي توجهات دول "البريكس" للاستقلال عن هيمنة الدولار الأميركي، وفرض هيمنتها على كثير من الدول العالم "اقتصادياً". الواقع اليوم أن الصين تراجعت صادراتها للولايات المتحدة، والعجز التجاري يتقلص، وهو هدف أميركي خالص، وشركات العالمية في الصين أصبحت بمحل شك عن حالة الوضع الاقتصادي وفق هذه المعطيات، وقد غادر بعضها لدول أقل صراعاً اقتصادياً، وتباطأ النمو الاقتصادي الصيني خلال السنتين الأخيرة، وهذا واقع ملموس، والصين لم تقف مكتوفة الأيدي بل بحثت عن أسواق جديدة، وذهبت حتى إلى العمق الأوروبي، وأوروبا أيضاً طالها شيء من الرسوم الأميركية، لذلك هي ترحب بالصين كشريك تجاري لا يشكل خطراً خارج نطاق التقنيات، ونجحت الصين بفرض وجودها في أوروبا عبر السيارات الكهربائية مثلاً. الحرب التجارية حقيقة أثرت بقوة "وكسرت" الثقة في التجارة العالمية، فالعالم خسر الاستقرار، وأميركا خسرت بارتفاع الأسعار، والصين خسرت بتقلص النمو والتصدير، وقد تكون الصين ربحت من خلال العمل على الاستقلال التكنولوجي وهو تحدٍ في المستقبل، وأميركا رأت أنه يجب العمل "محلياً" والإنتاج، والمستهلك في العالم قد يكون الخاسر الأكبر بسبب هذه الحرب التجارية التي وَلّدت رسوماً جمركية وصراعاً لم ينتهِ، العالم اليوم يحتاج إلى "حوار" و"تفاهم" لكي تنجح كل الدول بتحقيق أهدافها، وفي النتيجة سيربح الجميع وخاصة المستهلك، عدا ذلك سنستمر في صراعات مكلفة لا تتوقف.