في أمسية ثقافية شهدها «مقهى السبعينات»، ضمن فعاليات مبادرة الشريك الأدبي، احتشد جمهور نخبوي من المثقفين والأدباء والمهتمين بالتقنية والمشهد الثقافي. افتتح اللقاء بمقدمة من الأستاذة سارة القحطاني، التي نجحت في تسخين النقاش ببراعة لاستقبال الكاتب والمؤلف الأستاذ فهد بن محمد الأحمري في محاضرته المحورية. تميز اللقاء بالأداء والحضور الكثيف، وبجرأة الطرح وعمق التحليل، حيث تجاوز النقاش حدود الجدوى التقنيّة للذكاء الاصطناعي ليلامس جوهر الميثاق الأخلاقي الجديد للإبداع. سلط الأستاذ الأحمري الضوء على التناقض بين الكمال اللغوي البارد للآلة، وبين القصور والصراع الروحي الذي يُعدّ وقود الأدب الحقيقي. واقترح المحاضر، لمعالجة هذا الصدام الأخلاقي، ضرورة وضع «ميثاق الشرف الرقمي» في مجال الإبداع، إلى جانب تطوير تقنيات لضمان «البصمة الرقمية» التي تحفظ هوية المبدع وتفصل بين الإنتاج البشري والأداء الآلي. كان أبرز محاور المحاضرة: خطر الكمال اللغوي: هل يشكل كمال الآلة اللغوي خيانة لجوهر الإبداع القائم على التجربة الإنسانية والعيش بتفاصيل الحياة الطبيعية. والتركيز على أن الخطر لا يكمن في قدرة الآلة على تصنيف النصوص والمقاطع، بل في استعداد الإنسان على التوقف عن العيش والتجربة والركون إلى الكسل الوجودي وتسليم الآلة الجمل بما حمل. وكذلك التحدي الذي يواجه الثقافة المجتمعية في الحفاظ على رمزيتها المحلية أمام الميل العالمي لنماذج الذكاء الاصطناعي نحو التنميط الثقافي وتأثير ذلك على الهوية الفردية للمبدع فضلاً عن هوية المجتمع الثقافية من خلال إغراق الساحة بالإنتاج الآلي وبالتالي خطورة انسحاب المبدع البشري بقدراته المحدودة أمام قدرات الذكاء الاصطناعي اللا محدودة مما يؤثر على الأجيال القادمة. المداخلات أثرت اللقاء وحضور نخبوي: شهدت الأمسية حضورا كثيفا وتفاعلا متميزا، حيث أثرت مداخلات الحضور اللقاء وحولته إلى ندوة نقدية مفتوحة. طالب الحضور بضرورة تحديد الخط الفاصل الأخلاقي الذي إذا تجاوزه المبدع في استخدام التقنية، تحول من مستخدم أمين إلى منتحل. كما أكد بعض المتداخلين أن الأمانة الحقيقية تكمن في أن يظل المبدعون أوفياء لآلامهم وتناقضاتهم، لأن هذا هو الحبر الذي لا يمكن للآلة تقليده. في الختام، أكد مدير الجلسة أن الأمسية لم تخرج بإجابة نهائية، بل خرجت بيقين مفاده أن الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون دليلا لنا نحو عمقنا البشري، لا سترا نخفي خلفه عجزنا.