لا تتوقع من الفني الذي أحضرته لإصلاح ثلاجتك أن يسألك عندما يجدها مليئة بأصناف من الأطعمة والفواكه؛ هل ستأكل كل ما في الثلاجة؟!، ولكن لا تستغرب من الفني نفسه عندما تأخذه لإصلاح مكيف مكتبتك المزدحمة بالكتب عندما يسألك؛ هل ستقرأ كل هذه الكتب؟! وليس هذا السؤال حصرا على الفني، فكثيرا ممن لا يعرف معنى عشق الكتاب وبركة الكتب وفتنة المكتبة ولذة القراءة؛ سيطرح عليك هذا السؤال، ولذلك لا تستغرب ولا تجتهد في فلسفة إجابتك أو تبسيطها، فالأمر محسوم بأن (لكل فولة كيال)، وستكون كتبك حالة غريبة وطريقة لتضييع المال فيما لا فائدة منه من وجهة نظرهم! الثلاجة والمكتبة قد لا تكون المقاربة بينهما واضحة وجلية كما أن ما دار في بالي غير واضح إلى حد ما، وأنا أستحضر فكرة خزانة الطعام وخزانة الكتب ومدى ما نلحقه من أذية نفسية ببعضنا عندما نصور مكتباتنا الخاصة برفوفها المنتظمة وبديع تصميمها وازدحامها بالكتب بنفس القدر الذي يؤذي به من يصور موائد الطعام الطويلة والمرصوفة بما لذ وطاب من المأكل والمشرب. كلها نعم تدوم بالشكر، ومن الشكر فيما أرى ألا نباهي بها ونستعرض قدراتنا ووضعنا المالي من خلالها، فالحديث بالنعمة في قوله تعالى (وأما بنعمة ربك فحدث) نجد لها معنى واضحا بينه العلماء بعيدا عن الاستعراض بالنعم، ونستطيع أن نعود إلى ما قالوه وأبانوه، ولو حددنا المكتبة بالذات في حديثنا لو جدنا أنه من المقبول بل ربما من المستحسن لتحفيز النشء على القراءة أن نصور لهم كتابا بعينه ونستعرض بعض صفحاته، وأن نرسخ في أذهانهم أن المكتبة لا تعني رفوفا مليئة بالكتب في غرفة متسعة ومزينة بالتحف، وإنما المكتبة تعني الكتاب كيفما وضع على طاولة أو على الأرض أو فوق كرتون. مشاعر الناس شفافة وحماسنا قد يجعلنا نجرح هذه المشاعر دون أن نشعر، وتبنينا للأفكار المصحوبة بالمظاهر والبهرجة ضجيج بصري ننتجه ونصدره للمجتمع، فقدرات الناس متفاوتة وأولوياتهم متباينة، وقدر الله سبحانه وتعالى وحكمته جعلت الناس في تفاوت من القدرات المالية والجسدية والفكرية، (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق) (ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم). أغذية الجسد وأغذية الفكر نعم تدوم بالشكر وتتبارك عندما نصونها عن مظاهر قد تكون سلبية من حيث لا نعلم، وتنمو عندما نضعها في مسارها الطبيعي ونبذل منها ما يزكيها ويزكينا.