للمكتبات مع أصحابها قصصٌ ومواقف، وأيضاً طرائف وأشجان تستحق أن تروى، «الرياض» تزور مكتبات مجموعة من المثقفين، تستحث ذاكرة البدايات، وتتبع شغف جمع أثمن الممتلكات، ومراحل تكوين المكتبات.. في هذا الحوار الكُتبي نستضيف د. منال بنت سالم القثامي دكتوراة في الأدب والنقد حول مكتبتها التي وصفتها بقولها: «لديّ مكتبة متواضعة أطمح إلى أن تكون مصدراً من مصادر الفكر والمعرفة، ورصيداً ثقافياً ضخماً في يوم من الأيام». في أيِّ مرحلة من العمر تعرَّفتِ على الكتاب؟ * أنا قارئة نهمة منذ المراهقة؛ فقد بدأت القراءة مع إنشاء المكتبات المدرسية، فكنت أتجول في رحاب المكتبة المدرسية في وقت الفسحة وفي حصص الفراغ، ولاحقاً بدأت أعنى بكتب التراث التي كان والدي يحفظها في مكتبته الخاصة. هذا فضلاً عن قراءة الصحف اليومية التي أجدها في مجلس الوالد بعد خروجه إلى الصلاة، فانكب عليها بشهية مفتوحة. هل تستطيعين تحديد بعض بدايات تأسيس مكتبتكِ المنزليَّة؟ * بدأت تأسيس مكتبتي المنزلية في مرحلة البكالوريوس تحديداً، وكانت مادتها الأولية من الكتب المقررة، ثم أخذت تتسع لتشمل كتباً أخرى في علوم ومعارف مختلفة. ما ثمرة وجود المكتبة المنزلية؟ * المكتبة المنزلية زاد ثقافي وعلمي ميسر، وكلما حرصت على زيادة حصيلة مكتبتك المنزلية كلما وفرت على نفسك عناء ومشقة البحث عن الكتب والمصادر عند الحاجة إليها. توفير الكتب للمكتبة -عند الباحث الجاد والمثقف النهم- لا يقل أهمية عن توفير الطعام للبيت، فالكتب زاد العقل كما أن الطعام زاد البدن. ماذا عن معارض الكُتب، ودورها في إثراء مكتبتك؟ * أسهمت معارض الكتب في إثراء مكتبتي بشكل كبير؛ فأنا مدينة لمعرض الرياض الدولي للكتاب بنصيب وافر من الكتب التي اقتنيها في كل موسم، ثم لاحقاً أصبحت أزور المعارض المنعقدة في الدول العربية وأحصل على ما أرغبه من الكتب، هذا فضلاً عن الإهداءات على هامش المعارض فهي تشكل مادة ثرية لأي باحث ومهتم، ووسيلة للتعارف العلمي بين الباحثين. ما أبرز المنعطفات التي رافقت نموَّ مكتبتكِ الشَّخصيَّة؟ * كأي مكتبة كنت قد انتخبت رفاً صغيراً في حجرة جلوسي للكتب التي أقرأها وأهتم بها، ثم بدأت ترتص إلى جانب هذا الرف رفوف أخر، إلى أن ازدحمت الحجرة بالرفوف فأصبحت تلك الكتب والرفوف نواة أولى لمكتبتي المنزلية الثرية التي أعيش ازدهارها يوماً بعد يوم. إهداءات الكتب أسهمت في التواصل مع الباحثين حدثينا عن أوائل الكُتب التي دخلت مكتبتك؟ * من أقدم الكتب في مكتبتي المنزلية سلسلة «تاريخ الأدب العربي» للدكتور شوقي ضيف، وكتب النحو والصرف التراثية مثل «أوضح المسالك» وغيرها من المراجع التي كنت أعتمد عليها أيام الدراسة الجامعية. هل لديكِ شيءٌ من الصُّحف والمجلات القديمة أو شبه القديمة؟ * نعم، لديّ أعداد قديمة من مجلات كثيرة، بعضها فني وبعضها علمي، منها: سيدتي والمختلف واليقظة ومجلة فصول، والحرس الوطني، والمجلة العربية، والمنهل، والفيصل، بالإضافة لأعداد كثيرة من مجلة الخطوط الجوية السعودية كان يحضرها لي أحد أقاربي من موظفي الخطوط. هل يوجد في مكتبتكِ كُتب مُهداة بتوقيع مؤلفيها؟ * نعم، لديّ الكثير من الكتب بإهداء مؤلفيها، فقد حصلت على عدد من الكتب في المناسبات والفعاليات المختلفة، وكانت تلك الإهداءات من أثمن المقتنيات، خاصة أنها أسهمت في التواصل مع الباحثين والمهتمين داخل المملكة وخارجها. ما أطرف المواقف التي حصلت لكِ في البحث عن الكُتب؟ * كنت أقف يوماً مع أحد الأساتذة الأجلاء في معرض الرياض، وطلبت منه نسخة من كتابه، ممهورة بإهداء بخطه، لكنه لم يكن يحمل قلما حينها، فطلب مني القلم، وبالفعل أدخلت يدي في الحقيبة أبحث عن قلم، فلما تحسسته أخرجته مسرعة ومددته إليه، وحين أمسك به ونزع الغطاء، ركزت في القلم فإذا هو كحل للعين، ودون أن أشعر سحبت القلم من يده، والطريف أنه من ذلك الحين وإلى وقتنا هذا لا يعلم الأستاذ لم سحب القلم من يده فجأة. بما أنكِ مُهتمة بالكُتب ولديكِ مكتبة منزلية.. ما أبرز الكُتب التي تحرصين على قراءتها؟ * أحرص على قراءة كتب التخصص الدقيق بالدرجة الأولى، ثم كتب اللغة والأدب والنحو عامة، القديم منها والحديث. ولديّ شغف بقراءة كتب تطوير الذات وكتب الفلسفة والفكر عامة. هل ساعدتكِ المكتبة المنزلية بكم على التأليف؟ * بكل تأكيد، مكتبتي المنزلية هي مُعيني الأول في التأليف، ففيها كثير من المراجع المهمة في التخصص، بعضها قديم من أزمنة الدراسة، وبعضها تطلبه حاجة البحث. كم بلغ عدد مؤلفاتك حتى الآن؟ ومتى صدر لكِ أول كتاب؟ وما هو؟ * صدر لي عام 2021م كتاب «الحكاية الشعبية السعودية المكتوبة بالفصحى: دراسة في المتعاليات النصية»، عن نادي الحدود الشمالية الأدبي الثقافي ومؤسسة الانتشار العربي، وهذا الكتاب وصل إلى القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب في الدورة السادسة عشرة للجائزة (2021-2022). هل تستفيد أسرتك من مكتبتك في الاطلاع وإعداد البحوث؟ * خصصت لأولادي ركناً في المكتبة يضعون فيه الكتب التي تعجبهم أو التي يحصلون عليها في زيارتهم للمعارض، وعادة ما يقرأ الصغار منهم بجواري حين أكون في المكتبة، من باب التقليد، لكني أحاول جاهدة أن تكون القراءة عادة من عاداتهم. هل يوجد من قراءاتك كُتب لا تزال عالقة في الذهن، وما أسلوب الكاتب الذي يعجبك؟ o كتب الدكتور عبدالله الغذامي كانت أول ما قرأت من الكتب الطليعة، وكنت أقرأ فيها شيئا مختلف عما ألفته من القراءات السابقة. وأعتقد أن كتاب «الخطيئة والتكفير» عالق في أذهان معظم الباحثين الشباب من جيلي، وكذلك كتب عبدالله النجدي وإبراهيم البليهي. ماذا تُفضلين.. المكتبة الورقية أو الرقمية؟ وما السبب؟ * مازال للورق وهجه الذي لا ينقطع، رغم أن التقنية وفرة سبل البحث إلا أني من جيل الكتاب الورقي ومن أنصاره؛ لذا أميل كثيرا إلى القراءة في الكتب الورقية حتى لو توفر البديل التقني بشكل أسرع. هل مكتبتك المنزلية متخصصة أم متنوّعة؟ * أعتقد أنها تميل حالياً إلى التنوّع، بعد أن كانت مكتبة متخصصة. هل تقتنين الكتاب من خلال توصيات، أو بانتقاء شخصي؟ * أحياناً بالانتقاء الشخصي، وأحياناً بالتوصيات لمن أثق برأيه. لكني لا أخفيكم أن العناوين تشدني، وبعضها يجبرني على تصفح الكتاب للحكم عليه قبل اقتنائه. لكِ اهتمام ملموس في مجال الأدب والنقد؛ كيف كانت التجربة؟ * من أجمل التجارب أن تدخل عوالم الحكايات الشعبية وتسبر غور الفكر الإنساني في عصور سابقه لك، كأنك تدخل كهفاً مظلماً بحثا عن كنز. كانت المغامرة مع الحكايات الشعبية ممتعة ومحفزة أيضا لمزيد من البحث في هذا الجانب. ما القراءة بنظرك؟ * القراءة سفر، ورحلة اكتشاف وتحري، حين تقرأ تسافر في عوالم الفكر وتنتقل بين محطات المعرفة المختلفة، للقراءة لذّة لا تعادلها لذّة أخرى. ما رسالتُكِ التي توجِّهينها لكلِّ من يملك مكتبة خاصَّة؟ * أدعو كل من يمتلك مكتبة خاصة إلى الإسهام في الوعي الوطني، فقد اعتدنا ألا يدخل المكتبة إلا أفراد الأسرة وأن نستقبل الضيوف في حجرة أخرى، لكن ماذا لو أخذنا نستقبلهم داخل مكتباتنا الخاصة، ونفتح معهم أحاديث معرفية شيقة. كلمة أخيرة: * شكراً لكم جريدة «الرياض» والأستاذ بكر هذال على إتاحة هذه الفرصة لي للحديث عن المكتبة والكتب، كان حديثاً شيقاً وسيرة كتابية لا تنفصل عنها أرواح المبدعين والكتاب والباحثين. د. شوقي ضيف