بيانات اقتصادية قوية من أوروبا ترفع أسعار النفط    "البيئة" تدشّن أول مزرعة حضرية داخل الأسواق    "الوزراء": نظام موحد للنقل البري بين دول الخليج    الفريق البسامي يستعرض الخطط الأمنية لقوات أمن الحج    ذوو الإعاقة يطالبون بمزايا وظيفية وتقاعد مبكر    القصاص لمواطن قتل أخته    سمو أمير المنطقة الشرقية يدشن غداً توسعة وتطوير مطار الأحساء الدولي    استشهاد فلسطيني برصاص قوات الاحتلال في مدينة أريحا    أمير تبوك يستقبل المواطنين في اللقآء الأسبوعي    أمير حائل يستقبل مدير فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بالمنطقة    أمير منطقة تبوك يهنئ جامعة تبوك لحصدها ٦ ميداليات في معرض جنيف الدولي للاختراعات    معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يلتقي منسوبي فرع الرئاسة العامة بمنطقة جازان    تشكيل الهلال المتوقع أمام العين الإماراتي    محافظ الأحساء يستقبل قائد لواء الملك عبدالعزيز بالحرس الوطني المعين    كريسبو يتحدث عن غياب بونو وميتروفيتش    جامعة نورة تحصد أربع ميداليات في معرض جنيف الدولي للاختراعات    أبها يكشف إصابة زكريا سامي بالرباط الصليبي    غدًا الأربعاء .. افتتاح مطار غرب القصيم بمحافظة الرس    جامعة الملك سعود تُعقد الملتقى العلمي الأول لتقنيات التعليم تحت عنوان "رؤى بحثية وممارسات مهنية"    الاستعلام عن السجلات التجارية عبر "توكلنا"    المجمع الفقهي يوصي بتمكين المرأة بالتعليم    السديس يُثمِّن جهود القيادة الرشيدة لتعزيز رسالة الإسلام الوسطية وتكريس قيم التسامح    سمو وزير الدفاع يتلقى اتصالا من وزير الدفاع البريطاني    نائب رئيس مجلس الشورى يلتقي النائب الأول لرئيس البرلمان اليوناني    السعودية للكهرباء" تشارك في مؤتمر "الطاقة العالمي" بنسخته ال 26 بهولندا    مارتينيز سعيد بالتتويج بلقب الدوري الإيطالي في قمة ميلانو    نيابة عن خادم الحرمين .. أمير منطقة الرياض يحضر حفل تسليم جائزة الملك فيصل العالمية    العين الإماراتي يختتم تحضيراته لمواجهة الهلال    طرح تذاكر مباراة الاتحاد والشباب في "روشن"    ارتفاع في درجات الحرارة على منطقتي مكة والمدينة وفرصة لهطول أمطار بالجنوب    الإعلام والنمطية    «السيادي السعودي».. ينشئ أكبر شركة أبراج اتصالات في المنطقة    «مسام»: نزع 857 لغماً في اليمن خلال أسبوع    دور السعودية في مساندة الدول العربية ونصرة الدين الإسلامي    تقدير أممي لجهود مركز الملك سلمان في اليمن    «تيك توك» ينافس إنستجرام بتطبيق جديد    غربال الإعلام يصطفي الإعلاميين الحقيقيين    أطباء يابانيون يقاضون« جوجل»    إنقاذ الشعاب المرجانية    تعزيز التعاون الخليجي الأوروبي    النسيان النفسي    اختلاف زمرة الدم بين الزوجين    عيسي سند    قصور الرياض واستثمارها اقتصادياً    أمير حائل يفتتح أكبر قصور العالم التاريخية والأثرية    أمير حائل لمدير قطاع الحرف: أين تراث ومنتوجات حائل؟    شعوب الخليج.. مشتركات وتعايش    محافظ طبرجل يطلع على الخدمات البلدية    أكثر من ثمانية آلاف ساعة تطوعية في هلال مكة    أمانة المدينة تطلق الحركة المرورية في طريق سلطانة مع تقاطعي الأمير عبدالمجيد وخالد بن الوليد    مساجد المملكة تذكر بنعمة الأمن واجتماع الكلمة    نائب أمير جازان يدشن حملة «الدين يسر»    العين بين أهله.. فماذا دهاكم؟    سلسلة من الزلازل تهز تايوان    حاجز الردع النفسي    «البيئة» تُطلق مسابقة أجمل الصور والفيديوهات لبيئة المملكة    الزائر السري    أمير الرياض يرعى حفل تخريج دفعة من طلبة الدراسات العليا في جامعة الفيصل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التهامي الذي يحب الكتب
نشر في عكاظ يوم 22 - 03 - 2015

ذكرت الثرثارة التشيلية الفاتنة إيزابيل الليندي في كتابها الأليم «باولا» أنها عاشت في بيت مليء بالمشاكل مما أدى إلى انفصال والديها في وقت مبكر، فعاشت في بيت جدها لأمها، والذي كان مجرد النطق باسم والدها فيه من المحرمات!
ذكرت أن قبو بيت جدها مرمى لكل الخردوات، والأثاث المكسر، وجميع الأشياء التي لا حاجة لبقائها في المنزل وكان مكانا موحشا حتى إن الخادمات يخشين النزول إليه خوفا من الأشباح.
وحتى تحطم هذا الرعب الذي تولد في نفسها نزلت إلى القبو يوما بحثا عن الأشباح، لكنها لم تجد أشباحا ولكن وجدت من ضمن الأشياء التي هناك صندوقا منقوشا عليه الحروف الأولى من اسم والدها فتحته فكان به مجموعة من الكتب القيمة، قالت عن ذلك الصندوق فيما بعد:
«إنه ميراث خرافي أضاء سنوات طفولتي»*
***
أبي رحمه الله يتقاطع مع والد هذه التشيلية أيضا في هذا الإرث، لقد ترك لي ميراثا خرافيا أضاء سنوات حياتي بأكملها، وليس طفولتي فقط.
في طفولتي كان أبي يحمل لي القصص والحكايات وأنا بعد لم أدخل المدرسة، وأنا بعد لم أتعرف على الحروف، ولكن الشيء المثير لي في تلك المرحلة هو تلك الكتب المصورة التي تثير دهشتي وتربطني بنوع من الصداقة مع شخصياتها وأبطالها.
كم من مرة أستيقظ صباحا وأجد تحت «مخدتي» مجلة السندباد أو علاء الدين أو مجلة ماجد.
كان أبي حرصا أن يكون بيني وبين الكتاب علاقة وطيدة قبل أن أدخل المدرسة!
***
بعد أن دخلت المدرسة وتعلمت القراءة والكتابة انتقل إلى طريقة أخرى من طرق التحفيز وهي المكافأة على القراءة فقد كان يقول لنا: «من يقرأ كتاب كذا فله كذا وكذا من الريالات»..
وفعلا يكون عند وعده.
طبعا كان يراعي نوع الكتاب الذي نقرأه أن يناسب المرحلة التي كنا فيها.
ولم يكن يتردد في إعطاء المال عندما تكون السلعة كتابا!
ثم سلك أبي طريقة ثالثة وهي نفس الطريقة السابقة غير أنه كان يختبر معلوماتنا بعد القراءة بسؤال أو سؤالين.
وفي كل مرحلة من مراحل القراءة تقل الصور والرسومات في الكتب وتكثر الكلمات والمعلومات.
كانت هذه طريقة أبي حتى نهاية المرحلة الابتدائية.
حينها كنت أحب الكتب، ولم أحب القراءة بعد!
ذات مرة سمع أبي أن المدرسة افتتحت مكتبة، فكان أبي من الداعمين لتلك المكتبة.
كنت أرى بعض كتبي وقصصي في أيدي الطلاب وكنت أشعر بغيرة شديدة، والسبب أن هناك علاقة وصلة مع هذه الكتب حتى وإن لم أكن قارئا..
عندما وصلت المرحلة المتوسطة، توقف أبي عن هذه الطرق، خلع أبواب خزانات الكتب، والتي كانت مغلقة في السابق، نزع تلك الأبواب وترك المكتبة مشرعة.
الكتب حيوات، والمكتبة عالم، النظر إلى المكتبة يجلو البصر، ويبعث نوعا من البهجة، لها منظر ساحر يدفع الجميع لمعرفة محتواها وأسرارها، كل كتاب من الكتب، وكل عنوان من العناوين بوابة إلى عالم مستقل بذاته.
أبي نجح في جمع مواد مكتبته، حيث اشتملت على جميع العلوم والمعارف وكتابها من جميع أقطار العالم، عرب وعجم متقدمين ومتأخرين.
لم أر في حياتي مكتبة مثل مكتبة والدي ليس في كثرة الكتب ولكن في تنوع محتواها كانت حديقة غناء، التنزه فيها لا يمل أبدا.
***
في أواخر المرحلة المتوسطة، كانت تنتابني لحظات اكتئاب مرعبة، أذكر أن فراشي الذي كنت أنام عليه كان بجوار المكتبة تماما، ذات مساء كئيب، جلست، أسندت ظهري على الكتب، مددت رجلي للفراغ السحيق، ثم كانت تلك اللحظة الفارقة، ذلك المنعطف العظيم الذي أتذكره دائما، اتكأت يدي على رف المكتبة المغبر، ثم وقعت يدي على كتاب، سحبته كان عنوانه «سطور مع العظماء» لمحمد كامل المحامي كان ذلك في مساء يوم من أيام عام 1992م.
أتذكر تلك اللحظة التي بعدها أصبحت قارئا نهما، لدرجة أن أبي أصبح يخشى على تحصيلي الدراسي بسبب القراءة، بعد ربع قرن من تلك اللحظة أصبحت كاتبا، وأصبح أبي يقرأ لي/ له لا فرق.
ساهمنا أنا وأبي في توسيع المكتبة، والحرص على الاختيارات، وكان له اهتمامات مختلفة عن اهتماماتي ساهم هذا في إثراء المكتبة، لدرجة أنها أصبحت مقصدا لكثير من الباحثين، وطلبة العلم، وبعض الأكاديميين.
تمر الأيام تتوسع المكتبة، يستغرب العامة، يكرر أبي عبارته الخالدة «المال يذهب، والكتب تبقى».. نعم تبقى لنا، وتبقى للأجيال القادمة بعد رحيلنا.
***
أتذكر قبل وفاته بيوم تحدث عن المكتبة، أن نحافظ عليها، أن نجعلها للقراء إذا أرادوا أن يستعيروا، ثم صمت، وبدأ يتحدث عن إدريس ومعراجه العظيم نحو السماء.
ترك أبي بعد رحيله كتبا مخطوطة، كانت مشاريع أبي مؤجلة، وأتصور أن السبب رغبته أن يكون منحازا للقراء، بعيدا عن محاولة التأليف، لهول مسألة الكتابة في نظره رحمه الله.
أبي ترك الحياة، وخلف مكتبة، وغرس في كثير من أحبابه وأقاربه حب القراءة، وتقدير الكتاب، وهذا عمل إنساني عظيم، لا أتصور جلالة قدره وعظيم أثره..
***
«الآن وبعد أكثر من أربعين عاما من الاحتراق بنار الكتب اللذيذة،
ما زلت أتلفت حولي كلما أنهيت كتابا ما، فلا أجد أحدا..
فأضم جسدي بيدي مغمضا عيني، متخيلا عناق أبي لي.
أمشي بهدوء أمام رفوف مكتبة عامة أو خاصة،
ألمس الكتب بيدي، أو عيني؛
فأرى في الزاوية أبا ثمانينيا يعانق كهلا أربعينيا» **
_____________
*باولا، إيزابيل الليندي.
**خطأ النادل، زياد خداش.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.