منذ عقود والمملكة تتعامل مع اليمن بوصفه عمقًا استراتيجيًا لا غنى عنه، وجارًا شقيقًا تقتضي روابط الدين والجوار والتاريخ أن يكون حاضرًا في بوصلة القرار السعودي، واليوم، تثبت الرياض من جديد أن التنمية والاستقرار في اليمن ليسا ملفًا عابرًا في سياساتها، بل خيارًا راسخًا يعكس رؤية قيادة جعلت من الإنسان، قبل البنى والهياكل، محور الاهتمام وأساس الاستثمار. فالمملكة حين وضعت استقرار الاقتصاد اليمني في صدارة أولوياتها، لم تنطلق من حسابات ضيقة أو مصالح وقتية، بل من قناعة راسخة بأن أمن اليمن وازدهاره جزء لا يتجزأ من أمن المنطقة واستقرارها؛ لذلك جاء الدعم الأخير، الذي تجاوز 1.380 مليار ريال عبر البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، ليؤكد أن الخطاب ليس شعارات، بل التزام متواصل تتجسد نتائجه في مشروعات واقعية تمس حياة الناس في الصحة والتعليم والبنى التحتية والنقل، وتحدث أثرًا ملموسًا في حياة المواطن اليمني. وتكشف الأرقام حجم الرؤية: أكثر من 27.7 مليار دولار قدمتها المملكة لليمن في صورة منح ومساعدات على مدى سنوات طويلة، نفذ من خلالها ما يزيد على 1485 مشروعًا إنسانيًا وتنمويًا وخدميًا، وهي ليست مجرد أرقام مالية أو نسب إحصائية، بل تجسيد لعقود من التضامن العملي الذي منح اليمن قدرة على الصمود أمام الأزمات الاقتصادية والإنسانية، وحال دون انهيار اقتصاده أو انزلاقه نحو المجهول. لقد أدركت الرياض أن التنمية ليست منحة تعطى فحسب، بل عملية بناء متكاملة تشمل المؤسسات الحكومية والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية كافة، ولهذا امتدت البرامج السعودية إلى سبعة قطاعات رئيسة: الصحة، والتعليم، والنقل، والطاقة، والمياه، والزراعة والثروة السمكية، ودعم المؤسسات الحكومية، وأسهمت المنح النفطية والودائع المالية في استقرار سعر صرف الريال اليمني، وخففت من تكاليف السلع الأساسية، وساعدت على استمرار الخدمات، بما انعكس مباشرة على حياة المواطنين. بهذا النهج المتواصل، تؤكد المملكة أن دعمها لليمن ليس سياسة آنية، بل مسؤولية تاريخية وروابط أخوة ومصير مشترك، فكل مبادرة وكل مشروع وكل دعم هو رسالة وفاء بأن الاستقرار لا يتحقق إلا بالتنمية، وأن التنمية لا تستقيم إلا على أساس إنساني وأخلاقي راسخ، يحفظ للإنسان حقه في حياة كريمة ومستقبل آمن.