شهدت السوق المالية السعودية خلال الأسابيع الماضية حالة من الارتباك غير المسبوق نتيجة تضارب التصريحات حول ملف رفع حدود ملكية الأجانب في الشركات المدرجة. ففي وقت كانت فيه السوق تعاني من موجة سلبية ممتدة منذ بداية عام 2025، خرج عضو في مجلس إدارة السوق المالية بتصريح لافت عبر وكالة بلومبرغ قال فيه إن الهيئة "على وشك" تخفيف القواعد التي تحدد الحد الأعلى لملكية المستثمرين الأجانب، وإن القرار قد يدخل حيّز التنفيذ قبل نهاية العام. هذا التصريح، رغم غرابة توقيته وصيغته، كان كفيلاً بإشعال موجة تفاؤل قوية انعكست على المؤشر العام الذي ارتفع بأكثر من 500 نقطة، خصوصاً مع صعود أسهم البنوك التي كانت المستفيد الأكبر من توقعات دخول سيولة أجنبية إضافية. لكن الصورة تبدّلت تماماً في 30 أكتوبر خلال الجلسة الحوارية مع رئيس هيئة السوق المالية على هامش منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار. عندما سُئل بشكل مباشر عن موعد التطبيق وما إذا كانت النسبة قد تصل إلى 100 %، جاءت إجابته غير حاسمة، مؤكداً أن القرار لا يزال قيد الدراسة وأن تطبيقه قد يتم في 2026، وهو ما يتعارض مع الانطباع الذي خلقه التصريح الأول. هذه اللحظة كانت كافية لتغيير اتجاه السوق، إذ فقد المؤشر أكثر من 100 نقطة بشكل مباشر، وتراجعت أسهم عدة قطاعات نتيجة تخارج سريع للمستثمرين الذين كانوا قد بنوا مراكزهم استناداً إلى التصريح الأول. تباين الرسائل فتح الباب أمام تساؤلات واسعة بين المتعاملين، أبرزها: لماذا صدرت إشارة إيجابية مبكرة حول قرار لم يُحسم بعد؟ التفسير الأكثر تداولاً بين المحللين يشير إلى احتمال رغبة المسؤول الذي أدلى بالتصريح في تحسين المعنويات وسط موجة سلبية كانت تضغط على السوق منذ شهور، وربما جسّ نبض رد فعل المستثمرين تجاه خطوة رفع الملكية. كما قد يعكس التباين اختلاف زاوية الطرح بين عضو مجلس إدارة يتحدث عن اتجاهات داخلية قيد النقاش، ورئيس هيئة يتحفظ بطبيعته ولا يعلن إلا ما تم اعتماده رسمياً. ورغم اختلاف التفسيرات، إلا أن النتيجة واضحة: السوق لا تعاقب الأخبار السلبية بقدر ما تعاقب الضبابية. تضارب التصريحات حتى لو كان غير مقصود يحمل كلفة عالية على ثقة المستثمرين ويؤدي إلى تقلبات حادة لا تخدم استقرار السوق على المدى الطويل. ما تحتاجه السوق اليوم هو وضوح أكبر في الرسائل الرسمية وتوقيت أدق للإفصاح عن القرارات، بحيث يبني المستثمرون قراراتهم على معلومة ثابتة لا على توقعات متغيرة.