يشهد العالم فصلًا جديدًا من الحرب الباردة، يختلف في أدواته لكن يحتفظ بخطورته. وبينما تتبادل واشنطنوموسكو رسائل التهديد، يظل الأمل معلقًا على عودة الحكمة إلى قنوات الحوار، قبل أن يتحول التصعيد إلى مواجهة لا يمكن الرجوع عنها. تشهد العلاقات الأمريكية الروسية واحدة من أكثر مراحلها توترًا منذ نهاية الحرب الباردة، وسط تبادل التصريحات الحادة، والمناورات العسكرية، والصدامات غير المباشرة على مسارح مختلفة حول العالم، وعلى رأسها أوكرانيا والقطب الشمالي والفضاء السيبراني. ما تقوله الصحف الأمريكية الصحف الأمريكية الكبرى مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست ووول ستريت جورنال خصصت صفحاتها الأولى هذا الأسبوع لتغطية التصعيد الروسي الأخير في أوكرانيا، حيث أشار تقرير نشرته "واشنطن بوست" إلى "تزايد الهجمات الروسية في العمليات القتالية شرق أوكرانيا عبر دعم مباشر بالمعدات والتخطيط، وهو ما تعتبره واشنطن تجاوزًا للخطوط الحمراء". كما ركزت الصحف على تحركات البحرية الروسية قرب السواحل الشمالية للناتو، إضافة إلى تجارب روسيا الجديدة في مجال الأسلحة الفرط صوتية. وأبرزت نيويورك تايمز تصريحات مسؤولين في البنتاغون يعتبرون أن "روسيا تختبر حدود صبر الناتو، وقد تُجر المنطقة إلى مواجهة عسكرية مباشرة إذا لم يتم ضبط النفس". التقارير الروسية من جهتها، نشرت صحف روسية مثل إزفستيا وكوميرسانت وروسيسكايا غازيتا، تحليلات تدين "الاستفزازات الغربية" في البحر الأسود والبلطيق، وتتهم واشنطن بمحاولة "محاصرة روسيا عسكريًا واقتصاديًا" من خلال توسع الناتو ودعم كييف بأسلحة متقدمة. صحيفة إزفستيا نشرت تقريرًا موسعًا بعنوان: "واشنطن تسعى لحرب بالوكالة تُنهك روسيا"، وأشارت إلى تحالفات أمريكا المتنامية في آسيا (خاصة مع اليابان وكوريا الجنوبية) باعتبارها جزءًا من استراتيجية تطويق جيوسياسي. وتبرز الصحافة الروسية كذلك "التفوق الروسي في أنظمة الدفاع والهجوم النووي الجديد"، وتحذر من أن أي مواجهة مباشرة مع واشنطن ستكون "مدمرة للعالم بأسره، لكن روسيا مستعدة". احتمالية اندلاع حرب رغم اللهجة الحادة، لا تشير التحليلات الغربية أو الروسية إلى نية فورية لخوض حرب مباشرة، لكن احتمال وقوع "صدام محدود" يزداد، خصوصًا في مناطق الاحتكاك مثل أوكرانيا، أو الفضاء الإلكتروني، أو حتى في سباق التسلح الفضائي. الخبراء الاستراتيجيون من كلا الطرفين يُجمعون على أن الحرب الشاملة ستكون كارثية للطرفين والعالم، ما يدفعهم للاكتفاء بحروب الوكالة وحروب المعلومات حتى الآن. ماهي الحلول؟ من بين الحلول التي يتداولها المحللون والدبلوماسيون: أحياء القنوات الدبلوماسية المباشرة بين واشنطنوموسكو، على غرار "الخط الأحمر" إبان الحرب الباردة. والتفاوض حول معاهدات تسليح جديدة مع تحد من تطوير ونشر الأسلحة النووية والفرط صوتية. كذلك تفعيل دور الأممالمتحدة ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي للرقابة على مواقع التوتر. أو تكون هناك صفقة كبرى تشمل تسوية في أوكرانيا مقابل تخفيف العقوبات على روسيا، ولكن تبقى فرص نجاحها محدودة في ظل غياب الثقة. مشهد تصاعد التوتر الأمريكي الروسي وفي متابعة لتصاعد التوتر بين الولاياتالمتحدةوروسيا على خلفية الحرب المستمرة في أوكرانيا، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن نيته إرسال مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف إلى موسكو هذا الأسبوع، في خطوة قد تمهّد لتحرك دبلوماسي قبيل انتهاء مهلة حددها ترمب شخصياً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتوصل إلى وقف لإطلاق النار. وقال ترمب للصحفيين قبيل مغادرته إلى واشنطن: "أعتقد أن ويتكوف قد يتوجه إلى روسيا يوم الأربعاء أو الخميس"، مشيرًا إلى أن روسيا هي من طلبت عقد اللقاء. وتأتي هذه الخطوة قبل أيام من نهاية المهلة المحددة بعشرة أيام، التي وضعها الرئيس الأميركي أمام الكرملين للتوصل إلى اتفاق سلام أو وقف شامل لإطلاق النار في أوكرانيا. تهديدات بالتصعيد الاقتصادي الرئيس الأميركي لوّح في تصريحاته الأخيرة بفرض تعريفات جمركية "كبيرة" على الدول التي تتعامل تجاريًا مع موسكو، في حال فشل الأخيرة في الالتزام بالموعد النهائي. وكانت واشنطن قد منحت موسكو مهلة أولية مدتها 50 يومًا في يوليو، لكنها خُفّضت لاحقًا إلى ما بين 10 و12 يومًا، بعد لقاء جمع ترمب برئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر. وأوضح ترمب أنه يشعر "بخيبة أمل كبيرة" من موقف بوتين، قائلاً إن الأخير "لم يُبدِ حتى الآن أي استعداد لتقديم تنازلات حقيقية لإنهاء الحرب". تصعيد عسكري وتحذيرات متبادلة في سياق متصل، أصدر ترمب أمرًا بنشر غواصتين نوويتين أميركيتين في مناطق لم يتم تحديدها، في تصعيد لافت للنزاع الذي أخذ بعدًا شخصيًا، عقب سجال حاد دار على منصات التواصل الاجتماعي بين ترمب ونائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف. وقال ترمب في منشور على منصة "تروث سوشال": "استنادًا إلى التصريحات الاستفزازية التي أطلقها الرئيس الروسي السابق مدفيديف، أمرت بنشر غواصتين نوويتين في المناطق المناسبة، تحسبًا لأي تطورات". وأضاف: "الكلمات مهمة جداً وغالباً ما تقود إلى عواقب غير مقصودة، آمل ألا تكون هذه إحدى تلك الحالات". يُشار إلى أن الولاياتالمتحدةوروسيا تمتلكان الغالبية العظمى من الترسانة النووية في العالم، وتُجري واشنطن بانتظام دوريات بحرية لغواصاتها النووية ضمن إطار الردع الاستراتيجي. رد روسي حاد من جانبه، رد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن بلاده "تريد سلاماً دائماً ومستقراً في أوكرانيا"، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن شروط موسكو "لم تتغيّر"، وتشمل التراجع الأوكراني عن طلب الانضمام إلى حلف الناتو، وتخلي كييف عن بعض أراضيها. أما مدفيديف، فاتهم ترمب بمحاولة "فرض شروط بالقوة" معتبراً أن تهديدات واشنطن "تمثل خطوة نحو الحرب". ودعا ترمب إلى "تذكّر أن روسيا تملك قوة هائلة"، في إشارة إلى القدرات النووية الروسية. أوكرانيا تطالب بلقاء مباشر في السياق ذاته، دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى عقد لقاء مباشر مع الرئيس بوتين، مؤكدًا أن "الولاياتالمتحدة اقترحت هذا المسار، وأوكرانيا أيّدته"، مضيفًا: "ما نحتاج إليه هو استعداد روسيا". يُذكر أن روسيا تشن حربًا ضد أوكرانيا منذ أكثر من ثلاث سنوات، وسط تعقيد المشهد السياسي والميداني وتضارب المصالح الإقليمية والدولية، ما يجعل فرص الحل السلمي أكثر صعوبة. الجيش الروسي بأحدث تجهيزات الغواصات الأمريكية حاضرة بالمشهد السياسي