في حقيقة الأمر لم تحقق موجة النشاط الدبلوماسي في أواخر الصيف والخاصة بالحرب في أوكرانيا أي تغيير في موقف روسيا بالنسبة لتحقيق السلام بشكل جوهري حتى الآن، على الأقل علانية، حيث يواصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المواقف القصوى التي أعلن عنها منذ أكثر من عام مضي، والتي تتضمن خضوع أوكرانيا لروسية إضافة إلى حياد أوكرانيا ونزع سلاحها اعترافها بسيادة روسيا على الأقاليم الأوكرانية الخمسة التي إعلنت روسيا بالفعل ضمها، من بين أشياء أخرى، حسبما يرى المحلل السياسي توماس غراهام. ونفت وزارة الخارجية الروسية أن يكون بوتين قد عرض تسوية بشأن الأراضي يزعم الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنه قدمها، وتتمثل التسوية في وقف لإطلاق النار على طول خط المعركة في مقاطعتي خيرسون وزابوريجيا الأوكرانيتين، مقابل قيام كيف بانسحاب كامل من منطقة دونباس (التي تضم مقاطعتي دونيتسك ولوهانسك) والاعتراف بأن شبه جزيرة القرم روسية. وقال غراهام، وهو زميل متميز في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي وأحد كبار مسؤولي إدارة روسيا في مجلس الأمن القومي الأميركي سابقا في تقرير نشره المجلس، إنه بالمثل، رفض الكرملين احتمال عقد اجتماع مبكر بين بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يضغط الرئيس ترمب من أجل عقده. وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إنه لا يمكن عقد أي اجتماع قبل توفر شروط معينة، وفي الأساس موافقة أوكرانيا على الاستسلام. وفيما يتعلق بالضمانات الأمنية لأوكرانيا، لا يعارض بوتين تقديم الولاياتالمتحدة هذه الضمانات إضافة إلى قوى أخرى. لكن روسيا تصر على أنها يجب أن تكون من بين الدول الضامنة، وأنه سوف يتعين على كل الضامنين الموافقة على استخدام القوة لحماية أوكرانيا ضد أي معتد. غير أنه من غير المعروف ما إذا كان بوتين قد أظهر مرونة خلف الأبواب المغلقة، ومن السابق لأوانه استنتاج أن موجة النشاط الدبلوماسي الأخيرة قد ذهبت أدراج الرياح. وأضاف جراهام أنه على الأقل، أطلقت هذه الموجة عملية تفاوضية، وجعلت العقول في أوروبا وأوكرانيا تركز على التسويات والحلول الوسط الصعبة التي سيتعين تقديمها لحل النزاع. والسؤال الآن هو: هل يمتلك ترمب الصبر والحنكة ليدفع إلى الأمام العملية التي بدأها؟ كانت العلاقات أمرا حاسما وراء هذه الموجة الدبلوماسية. وما كان ترامب ليطلق هذه العملية لو لم يكن يعتقد أنه تربطه علاقة خاصة مع بوتين سوف تمكنه من إقناعه بإنهاء الحرب، حتى في الوقت الذي كانت تحقق فيه روسيا تقدما كبيرا في ساحة القتال. ويعتقد بوتين أن ترمب واحد من القادة الأميركيين القلائل المهتمين بصدق بتطبيع العلاقات. وقد راهن على أن ترمب سوف يعطي أولوية للعلاقات الثنائية والصفقات التجارية المربحة مع روسيا، وليس مع أوكرانيا، لإنهاء الحرب. وأخطأ كل رئيس في قراءة الموقف، فقد أعرب ترمب أحيانا عن شعوره بالإحباط من تصعيد بوتين لهجماته، متسائلا عما إذا كان مهتما بصدق بالسلام، وجدد بين الحين والآخر تهديداته بفرض عقوبات صارمة. ومن جهة أخرى، وجد بوتين أن الصفقات التجارية المحتملة لم تقنع ترمب بالتخلي عن أوكرانيا. ومع ذلك، لايبدو أن أي من الرئيسين مستعد لإعادة تقييم علاقاتيهما. وخرج ترمب من اجتماع القمة معربا مجددا عن اعتقاده بأن بوتين يرغب في إبرام صفقة معه لإنهاء الحرب. ومؤخرا، وحتى في الوقت الذي هدد فيه بشن «حرب اقتصادية» إذا لم يتحرك بوتين نحو السلام، أشار ترمب إلى أنه «على علاقة جيدة جدا» مع بوتين. وخلال عدة أسابيع ماضية، قلل الكرملين من شأن الإجراءات الأميركية، التي ربما تبدو من الناحية الظاهرية ضارة بالمصالح الوطنية الروسية. وحرص على عدم تحدي ترمب على نحو مباشر، على أمل أن يتمكن من العمل معه لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية وفقا لشروط روسيا، وتطبيع العلاقات الأميركية الروسية. وردت وزارة الخارجية الروسية بإيجابية على وساطة الولاياتالمتحدة الأخيرة في اتفاق سلام بين أرمينيا وأذربيجان. لكنها أكدت بعد ذلك أن السلام الدائم في جنوب القوقاز سوف تحققه حصريا دول المنطقة نفسها وجيرانها المباشرين - إيرانوروسيا وتركيا. ويختلف الوضع إلى حد ما بشأن مكالمة ترمب الأخيرة مع الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو. وبالطبع سوف يراقب الكرملين عن كثب أي تطور في العلاقات بين واشنطن ومينسك. ما هي الحالة المزاجية في روسيا بشان الحرب؟ هل هناك دعم شعبي مستمر؟ ليس هناك أي شيء يشير إلى أن بوتين يواجه ضغوطا شعبية لإنهاء الحرب. في الواقع، بذل الكرملين جهودا ضخمة ليضمن أنه تم تجنيب الروس أهوال الحرب في معظمها – حيث أن المتطوعين هم الذين يخوضون بشكل كبير الحرب، وارتفعت مستويات المعيشة لأن الكرملين يضخ أموالا في اقتصاد الحرب. وغالبا يشير الزوار إلى أن الحياة طبيعية في موسكو. والأمر المؤكد هو أن الروس ربما سئموا من الحرب، وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن الأغلبية ترغب في انتهاء الحرب قريبا، ولكن بشروط روسيا فقط. وهناك دليل ضعيف على أن الشعب سيوافق على تنازلات من شأنها أن تحرم روسيا من ثمار النصر. ويقول غراهام إن هناك حاجة للتعامل مع استطلاع الرأي العام في دولة مثل روسيا بشكوك. ولكن حتى مركز ليفادا، الذي يُنظر إليه في الغرب على أنه مركز الاستطلاع الأكثر استقلالية وموثوقية في روسيا اليوم، مازال يجد دعما واسع النطاق للحرب ونسبة تأييد عالية لبوتين (أكثر من 80 %) ورغم أن الكرملين يولي اهتماما شديدا بالرأي العام، فمن المهم أن تذكر أن الرأي الشعبي يلعب دورا أكثر محدودية في النظام الروسي القائم على النخبة مما في الغرب الديمقراطي. ويمكن أن تكون للتغيرات في رأي النخبة تأثير دراماتيكي على سياسة بوتين. واختتم غراهام تقريره بالقول إن هناك دليلا على استياء النخبة، وبصفة خاصة داخل مجتمع الأعمال وبين أولئك الأشخاص الذين يتم تكليفهم بإدارة الاقتصاد، ولكن لايوجد قادة واضحون في الوقت الحالي يمكنهم حشد ذلك السخط لإرغام بوتين على إعادة النظر في أهدافه القصوى.