تتقاطع الأزمة الإنسانية في السودان مع مرحلة عالمية تشهد تراجعًا حادًا في تمويل الإغاثة الدولية، بينما تتصاعد الهجمات ضد المدنيين في مناطق النزاع وتغيب قدرة المؤسسات الدولية على مواكبة حجم المأساة. وبينما تؤكد منظمة الصحة العالمية ارتفاع أعداد الضحايا في غارات بطائرات دون طيار استهدفت روضة أطفال ومرافق صحية في كردفان، يكشف مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عن تراجع تاريخي في الدعم المالي للنداءات الإنسانية، في وقت تواجه فيه ملايين الأسر خطر المجاعة وانهيار النظام الصحي. غارات عشوائية وذكرت منظمة الصحة العالمية أن عدد القتلى في الضربات الجوية التي شهدتها ولاية كردفان السودانية الأسبوع الماضي ارتفع إلى 114 شخصًا، بينهم 63 طفلًا، في هجمات بطائرات دون طيار استهدفت مواقع مدنية، بينها روضة أطفال، ومسعفون أثناء عمليات الإنقاذ، ومستشفى محلي. وتشير المنظمة إلى أن ثلاث غارات متتالية ضربت بلدة كاغولي، حيث أصابت الضربة الأولى روضة الأطفال، بينما استهدفت الضربات التالية المسعفين أثناء نقلهم الناجين، إضافة إلى منشأة طبية. وأسهم انقطاع الاتصالات في تأخر تحديد حصيلة الضحايا، وسط تقارير عن إصابات واسعة النطاق. ودان مدير منظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الهجمات بشدة، وعدها اعتداء مباشرًا على المدنيين والبنية الصحية، مؤكدًا أن استهداف الأطفال والمستشفيات يمثل انتهاكًا للقانون الدولي. ودعا غيبريسوس إلى إنهاء العنف وزيادة الوصول إلى المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الأدوية والرعاية الصحية. الدعم السريع واتهمت منظمات محلية، بينها شبكة أطباء السودان ومحامو الطوارئ، قوات الدعم السريع شبه العسكرية بتنفيذ الضربات. وقال بيان لمحامي الطوارئ، إن استهداف الروضة والمرفق الصحي يمثل «انتهاكًا صارخًا للقانون الإنساني الدولي، خصوصًا حماية الأطفال والبنية التحتية المدنية». وتأتي هذه الضربات ضمن سلسلة من الهجمات في الحرب المستمرة منذ عامين بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، وهي الحرب التي أوقعت أكثر من 40 ألف قتيل وفق منظمة الصحة العالمية، وشردت نحو 12 مليون شخص، في أكبر أزمة نزوح يشهدها العالم اليوم. مخاوف جديدة وتتركز المعركة راهنًا في منطقة كردفان الغنية بالنفط بعد سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش في دارفور. وارتبطت السيطرة على الفاشر بموجة من العنف الواسع، حيث وثقت منظمات دولية تقارير حول إعدامات ميدانية واعتداءات جنسية واغتصاب، وعمليات تهجير قسري لسكان مدنيين. وقالت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إن أكثر من 100 ألف شخص فروا من المدينة خلال أسابيع قليلة. وحذر المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأممالمتحدة، فولكر تورك، من أن كردفان قد تشهد فظائع شبيهة بتلك التي وقعت في الفاشر، على خلفية أنماط العنف التي رافقت عمليات الاقتحام وسيطرة قوات الدعم السريع على المدن. وتؤكد التقديرات الإنسانية أن هذه المنطقة تواجه مجاعة واسعة، بعدما تم إعلان المجاعة رسميًا في كادقلي، عاصمة جنوب كردفان، وسط تقارير تشير إلى أن مدينة الدلنج تعاني الظروف نفسها. مجاعة تتعمق وبعد أكثر من عامين من الحرب، تدهورت الأوضاع الصحية والغذائية في السودان بشكل غير مسبوق، مع انتشار سوء التغذية الحاد وانهيار شبكات الرعاية الطبية. وتعاني الأسر من نقص حاد في الغذاء، بينما تشهد مناطق واسعة موجات نزوح متلاحقة تتجه نحو مخيمات مكتظة تفتقر إلى الحد الأدنى من الخدمات الأساسية. وقالت منظمات الإغاثة، إن العدد الحقيقي للضحايا مرشح لأن يكون أكبر بكثير من المعلن في ظل ضعف القدرة على الوصول للمناطق المتضررة، وتعطل شبكات الاتصالات، ونقص المعلومات من المناطق المعزولة التي تدور فيها المواجهات. الإغاثة الدولية وفي الوقت الذي تتصاعد فيه الحاجة للمساعدات الإنسانية، تعاني الأممالمتحدة من تراجع كبير في التمويل المخصص لبرامج الإغاثة. فقد أعلن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية خفض نداء التمويل لعام 2026 إلى 33 مليار دولار، بعدما جمع 15 مليارًا فقط هذا العام، وهو أدنى مستوى للدعم منذ عقد كامل. ويهدف المكتب إلى تقديم مساعدات لنحو 135 مليون شخص تضرروا من الصراعات والكوارث المناخية والزلازل والأوبئة. أولويات عاجلة وذكر المكتب أنه يحتاج 2.9 مليار دولار للسودان وحده، باعتباره موطن أكبر أزمة نزوح عالمية، و4.1 مليار دولار للوصول إلى ثلاثة ملايين شخص في المناطق الفلسطينية، و2.8 مليار دولار لخطط الاستجابة الإقليمية الخاصة بسوريا.