أطلَّ العام الدراسي الجديد، فاستقبلناه بقلوب متهيّبة، وأرواح تتطلّع إلى بداية هادئة رصينة، فإذا بنا نُفاجأ بسيلٍ متلاحق من الأدلة واللوائح والتنظيمات التي تتابعت علينا كالموج المتدافع، لا نكاد نستوعب أوّلها حتى يطرق أبوابنا ثانيها، ولا نكاد نُلمّ بصفحات الثاني حتى يأتينا ثالثٌ يتلوه رابع، في زمنٍ لا يتجاوز أيّامًا معدودة لا تتيح للعقل فسحة للتأمل، ولا للمدارس فرصةً للتطبيق المتّزن. منذ مطلع الأسبوع الأول، تناثرت بين أيدينا الأدلة التنظيمية، وتبعتها الأدلة الإجرائية، ثمّ أُتبعت بأنظمة الحضور، وأُلحقت بأدلة الاختبارات الجديدة، وهكذا دواليك؛ سباقٌ مرهق يستهلك الطاقات ويشتّت الأذهان. حتى غدت المعلمة والمعلم في سباقٍ مرهق، يركضان لاهثَين خلف التعليمات، ولا يكادان يدركان غاية حتى تُستبدل بأخرى. وكأنَّ العام الدراسي لم يُفتح أبوابه للتعليم والتعلّم، بل فُتح لملاحقة أوراقٍ تتوالى بلا هوادة. أيّها القائمون على التعليم، إننا لا ننكر جهدكم، ولا نُغمط حرصكم على التطوير، غير أنَّ التغيير الفاعل لا يُثمر في أجواء الارتباك، ولا يُزهر في أرضٍ لم تُمهّد لزراعته. نحن نحتاج أن نقرأ بتؤدة، وأن نُمعن النظر برويّة، وأن نتهيّأ للتنفيذ بخطوات واثقة. فالتعليم ليس سباقًا تُحسب فيه الثواني، بل هو بناءٌ يحتاج إلى التمهّل والتمكين، وإلى التخطيط الذي يراعي الطاقة البشرية قبل أن يُغرقها باللوائح والتعليمات. رويدًا يا وزارة التعليم... على مهلكم. أمهلونا وقتًا لنفهم، لنقرأ، لنهضم، ولنحوّل ما بين أيدينا من أدلة إلى ممارسة حقيقية داخل المدارس. دعوا الأوراق تُثمر، ولا تجعلوها تتساقط متراكمة قبل أن تجفّ حروفها في عقول المربين. المعلم والمعلمة هما عمادا الميدان، ومن حقهما أن يتنفّسا هواء الفهم قبل أن يُكَلَّفا بعبء التنفيذ. فالتعليم رسالة لا تحتمل العجلة، وميدانٌ لا يُدار بالقرارات المتسارعة بقدر ما يُدار بالحكمة والتدرّج والتمكين. رفقًا بنا... فنحن لا نطلب سوى فسحة زمنٍ تليق بعظمة رسالتنا، ومساحة وعيٍ نُدرك من خلالها ما نُكلّف به، لنُؤديه كما يليق بطلابنا وأوطاننا.