أنا خير منه.. قالها ابليس عندما أمره الله تعالى بالسجود لآدم- عليه السلام. قالها لأنه ظن أنه خير من آدم الذي خلق من طين، وهو مخلوق من نار، وهو يرى أن النار خير من الطين، فعصى أمر ربه و طرد من رحمة الله؛ بسبب تعاليه. هذا التعالي الذي نهانا عنه الله ورسوله- للأسف- نراه في كثير من المواقف. نراه عندما يتعالى شخص وينتقص من الذي أمامه لمجرد خلاف بسيط، وقد يكون على موضوع ليس بتلك الأهمية والأمثلة كثيرة. و لعل ما يحدث من المناوشات بين مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، التي تصل الى القذف أحيانًا، أكبر دليل على انحدار الوعي والأخلاق. ينهانا الله تعالى في كتابه الكريم عن السخرية من الآخرين أو التنابز بالألقاب في قوله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ". أو أن يظن الشخص أنه يمتلك الحقيقة الكاملة، وبالتالي فإن كل من يختلف معه لا يفقه شيئًا، وأن رأيه هو الصواب دائمًا. المشكلة أن منصات التواصل الاجتماعي، أو منصات التباعد الاجتماعي- كما أسميها- فتحت الباب أمام الجميع بمختلف المستويات الثقافية والأعمار. فهناك من يبحث عن معلومة تهمه، أو من يحب أن يشارك الناس آراءه، وتجد أنه يتعامل مع الجميع بمنتهى الاحترام عند اختلافهم معه في الرأي، ولكن تجد البعض ممن تحس بأنهم يبحثون عن المشاكل، أو عمن يخالفهم الرأي ليهاجموه، وينعتوه بأسوأ الألفاظ. بل ولا مانع لديهم أن يشتبكوا مع أشخاص من وراء البحار. وبدلًا من مناقشة أوجه الأختلاف نجد أنهم يسخرون من أحوال تلك الدول وشعوبها ولسان حالهم يقول: أنا خير منه. ولو قرأنا كتب التاريخ لوجدنا أن الأيام دول، وأن الأمم تتبادل الصعود والهبوط، وحتى الإمبراطوريات الكبيرة تنتهي. وكما قال نبينا الكريم- عليه افضل الصلاة والسلام: " اخشوشنوا فإن النعم لاتدوم". أنا خير منه، أصبح أسلوب حياة للبعض، فلا مانع من تجاوز صفوف المنتظرين، أو التحايل على النظام؛ للحصول على خدمة ما قبل مستحقيها. ولا مانع من النظر بحقد على من أنعم الله عليه بنعمة صغيرة أو كبيرة؛ فمثل هؤلاء يرون أنهم أحق بالنعم، وأنهم خير من غيرهم.