إذا كان قطاع العقار السعودي يحظى باهتمام بالغ من حكوماتنا خلال عقود مضت، فإنه ينال اهتماماً أكبر خلال سنوات رؤية المملكة 2030، التي أدركت أهميته الاستراتيجية، باعتباره أحد المكونات الرئيسة لجميع القطاعات الأخرى، فضلاً عن كونه داعماً أساسياً للاقتصاد الوطني من خلال قدرة مشاريعه على تحريك عجلة الاقتصاد، والأهم من ذلك، أنه أحد أبرز الأوعية الاستثمارية التي تنال ثقة المستثمرين الوطنيين والأجانب على حد السواء. ويقود سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مشهد الاهتمام بقطاع العقار من جميع النواحي، إذ يوجه سموه دائماً بمعالجة سلبياته واستكمال أدواته، حتى يؤدي دوره على أكمل وجه، وتحديداً في مسار تشييد مشاريع سكنية بمناطق المملكة، في إطار سعي الحكومة الرشيدة لحل مشكلة السكن، وتأمين منازل مناسبة، يتملكها كل مواطن ومواطنة، وفي مارس الماضي، أصدر سموه خمسة توجيهات، تستهدف ضبط القطاع العقاري، ورصد ومراقبة أسعار منتجاته بالعاصمة الرياض، والرفع بتقارير دورية في هذا الشأن، ومن بين هذه التوجيهات، توجيه خاص بضبط العلاقة بين المالك والمستأجر، وتجلى اهتمام ولي العهد بالقطاع، بتوجيه سموه الأخير، بتمديد فترة دراسة تنظيم تلك العلاقة مدة لا تتجاوز تسعين يوماً. يمكن التأكيد بأن تمديد فترة الانتهاء من الدراسة لنحو ثلاثة أشهر إضافية، هي مدة كافية جداً لدراسة جوانب العلاقة بين المالك والمستأجر، ودراسة التشريعات القائمة، وإمكانية معالجتها وتحسينها، والخروج بأنظمة وتشريعات جديدة، تضمن استدامة نمو سوق العقار، وحفظ حقوق جميع الأطراف، وهذا المطلب بات ضروريا اليوم، لتعزيز النهضة التنموية التي تشهدها المملكة في قطاع العقار، خاصة مع تدفق المستثمرين عليه. وهنا لمحة تاريخية مهمة، لابد من الإشارة إليها، وهي أن العلاقة بين المالك والمستأجر، لطالما كانت من الموضوعات الشائكة، التي شهدت خلال عقود مضت، الكثير من الجدال والنقاش بين المواطنين والعقاريين والقانونيين، من أجل التوصل إلى أطر تحدد هذه العلاقة بشكل شامل ووافٍ، ولكن كل المحاولات لم تنجح بالنسبة الكاملة، الأمر الذي أثر على القطاع العقاري سلباً، وأوجد الكثير من المشكلات العالقة، بسبب عدم وجود ضوابط وأنظمة تحدد حقوق وواجبات كل طرف. ويأتي توجيه سمو ولي العهد بتمديد فترة دراسة تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، ليؤكد حرص القيادة الرشيدة على عدم اتخاذ القرارات المهمة، إلا بعد إجراء دراسات متأنية ومستفيضة وشاملة، تراعي كل الظروف والمتغيرات، وتضمن تحقيق نتائج إيجابية مستدامة، تتماشى مع مستجدات الأسواق، كما أن قرار التمديد يدعم جهود الوصول إلى توازن استراتيجي بين مختلف الأطراف المشاركة في العملية التعاقدية، والتأكد من جاهزيتها وشموليتها بما يعود بالنفع على المنظومة العقارية. وحتى أكون واقعياً، فإن توجيه سمو ولي العهد بالتمديد، أوجد حالة من التفاؤل والأمل في الأوساط العقارية، بإمكانية صياغة إطار تنظيمي موحّد للعقود الإيجارية، عبر إلزامية التسجيل في منصة «إيجار»، مع تحديد مسؤوليات والتزامات المالك والمستأجر بوضوح تام، بالإضافة إلى إيجاد آلية محددة لتسريع وتيرة حل المنازعات بينهما، عبر التوصل إلى بنود واضحة في عقد الإيجار، وهذا يتطلب مراجعة شاملة، تنظم العلاقة التعاقدية، وربما نشهد تحديد سقف للإيجارات بحسب المناطق، وتصنيف المباني، مع تحديد نسبة الزيادة السنوية للإيجار، الأمر الذي يؤدي إلى كبح جماح التضخم في القطاع، بسبب انفلات الأسعار أحياناً، وخروجها عن حدود المنطق والعقل.