الأخضر يختتم مشاركته في مونديال السلة الموحدة ببورتوريكو بحصاد فضية الرجال ورابع السيدات    الشورى : الميزانية تعكس نجاح الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية وفق رؤية المملكة    الجمعية السعودية الخيرية لمرض الزهايمر تحصد شهادة الاستثمار ذي الأثر الاجتماعي    وزير التجارة يوافق على قواعد المستفيد الحقيقي    البديوي: تصريحات المسؤولين الإيرانيين مغلوطة ومرفوضة    شراكة استراتيجية بين مجموعة روتانا للموسيقى و HONOR توثق لحظات لا تتكرر انطلاقا من جلسة شعبيات محمد عبده    سوق الأسهم السعودية يغلق متراجعا وسط سيولة 3.5 مليارات ريال    5 محطات ركاب للقطار الكهربائي السريع بين الرياض والدوحة    هيئة التأمين تطلق 15 خدمة رقمية جديدة    أمير الرياض يطلع على المشاريع والخطط الإستراتيجية لهيئة المساحة الجيولوجية السعودية    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل رئيس مجلس إدارة جمعية الذوق العام    انطلاق معرض جدة للكتاب 2025 الخميس المقبل    "العلا" تتوج عالميًا كأفضل مشروع سياحي    "إرث العقارية" تشارك بصفتها الراعي الماسي في مؤتمر سلاسل الإمداد 2025 وتعرض مشروع "مجمَّع سويفت اللوجستي"    ولي العهد وأمير قطر يرأسان مجلس التنسيق السعودي القطري    تجمع الرياض الصحي الأول يشارك في تفعيل النسخة الثانية من مبادرة "10KSA"    "التحالف الإسلامي" يطلق برنامج الاستخبارات التكتيكية بالرياض    "التخصصي" يتوج بثلاث جوائز في مجال الخزينة وإدارة النقد بقطاع الرعاية الصحية    الأهلي يتفق على تمديد عقد ميندي    خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يهنئان الرئيس السوري بذكرى يوم التحرير    صلاح يهدد بالاستبعاد عن مواجهة انتر ميلان    إحالة منشأة تجارية إلى النيابة العامة لتداول أجهزة طبية مخالفة للنظام    الصناعات الإيرانية حاضرة في معرض المنتجات العربية والعالمية بمكة    4.8% نمو الاقتصاد السعودي خلال الربع الثالث من 2025    إصابة فلسطيني برصاص الاحتلال شمال مدينة القدس    أمانة القصيم ترفع جاهزيتها لاستقبال الحالة المطرية المتوقعة    عازم و تجمع عسير الصحي توقّعان مذكرة تفاهم لتنفيذ مشروع " خطوة "    ⁨الإسلام دين السلام لا إرهاب وعنف⁩    «أحياها» تشارك في ختام «دُرّة طلال» وتحتفي بتأهيل 25 مقدمة رعاية بالأحساء    ثلاث مدن سعودية تنضم إلى شبكة اليونسكو العالمية لمدن التعلّم    تايلاند تشن غارات جوية ضد أهداف للجيش الكمبودي    التدخل العاجل ينقذ 124 حالة بمستشفى أجياد    أمير نجران يطلع على سير العمل في قطاعات الأمن العام    نتائج المسح الصحي الوطني لعام 2025.. 95.7 % من البالغين لديهم تغطية ل«نفقات الرعاية»    للعام الخامس على التوالي.. يزيد الراجحي يتوج ببطولة السعودية تويوتا للراليات الصحراوية    ميسي يقود إنتر ميامي للقب الدوري الأمريكي    لا تلوموني في هواها    في معرض "أرتيجانو آن فييرا" بمدينة ميلانو.. «الثقافية» تعرف العالم بتاريخ وثقافة السعودية    اعتمد لجنة لتطوير الحوكمة.. «الألكسو» برئاسة السعودية: إنشاء المركز العربي لدعم المسار المهني    العزف على سيمفونية حياتك    حماس تشترط انتهاء الاحتلال لتسليم السلاح    «الدعم السريع» يقصف المدنيين في كردفان    آل الشيخ يطلق النسخة الثانية من مبادرة «ليلة العمر».. رسم بداية جديدة لشباب الوطن    «سار» تحصد جائزة أفضل مركز اتصال بقطاع السفر    اشتراط تفعيل الجواز للسفر بالهوية الوطنية    أكد أن العملية على وشك الانتهاء.. المبعوث الأمريكي: اتفاق السلام في أوكرانيا في «الأمتار العشرة»    السمنة تسرع تراكم علامات الزهايمر    جامعة الطائف تكشف بدراسة علمية عن مؤشرات فسيولوجية جديدة للمها العربي في بيئته الطبيعية    تدابير الله كلها خير    زراعي عسير: أكثر من 6 ملايين ريال عائد اقتصادي للعمل التطوعي    الجوازات تضع شرطا للسفر لدول الخليج بالهوية الوطنية    إنه عمل غير صالح    نائب أمير الشرقية يطلع على أعمال فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف بالمنطقة    تتم عبر تصريح «نسك» للرجال والنساء.. تحديد زيارة الروضة الشريفة ب«مرة» سنوياً    المجلس العالمي لمخططي المدن والأقاليم يختتم أعماله.. ويعلن انضمام أمانة الرياض لعضوية المنظمة العالمية "ISOCARP"    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. "التخصصات الصحية" تحتفي ب 12,591 خريجًا من برامج البورد السعودي والأكاديمية الصحية 2025م    أمير منطقة جازان يؤدى واجب العزاء والمواساة لإبراهيم بن صالح هملان أحد أفراد الحماية (الأمن) في وفاة شقيقته    أمير منطقة تبوك يكرم المواطن فواز العنزي تقديرًا لموقفه الإنساني في تبرعه بكليته لابنة صديقه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرأة.. من القيادة إلى ريادة التغيير
نشر في الرياض يوم 26 - 06 - 2025


نقلة استراتيجية في الاقتصاد السعودي
في خضم التحولات الاقتصادية الكبرى التي تشهدها المملكة العربية السعودية ضمن رؤيتها الطموحة 2030، تُعاد صياغة ملامح القطاعات الصناعية برؤية جديدة ترتكز على الاستدامة، والابتكار، والسيادة الوطنية في التصنيع. وتُعد صناعة السيارات من بين أبرز القطاعات التي تتجه نحو إعادة تعريف دورها، لا كوسيلة نقل فقط، بل كمؤشر على مدى قدرة الاقتصاد الوطني على مواكبة المستقبل. فلم تعد الطرقات السعودية تتهيأ فقط لاستقبال سيارات جديدة، بل لميلاد صناعة محلية متكاملة، تعمل على بناء مركبات كهربائية ذكية، تنبض بطاقة نظيفة وتتكامل مع منظومة بيئية وتقنية واعدة. وفي عمق هذا التحول، تتقدم المرأة السعودية بثقة وشغف، متجاوزة دورها التقليدي كمستهلك أو مستخدم، لتصبح شريكة في التصميم، وفاعلة في الإنتاج، وسفيرة للتغيير في ثقافة التنقل المستدام. إنها مرحلة تعكس ليس فقط نضج الاقتصاد، بل نضج الوعي المجتمعي، حيث تتلاقى الاستدامة مع التمكين، وتتقاطع الابتكارات التقنية مع الحضور النسائي القوي في ساحةٍ كانت إلى وقت قريب حكرًا على الرجال.
توطين الصناعة
تضع المملكة خططًا طموحة لتحويل نفسها إلى مركز إقليمي لصناعة السيارات، مع التركيز على المركبات الكهربائية والتقنيات المستقبلية. وتأتي هذه الخطط في ظل جهود حثيثة يقودها صندوق الاستثمارات العامة الذي استثمر في شركات عالمية مثل لوسيد موتورز، وأعلن عن مشروع سعودي جديد بالكامل تحت مسمى "سير"، أول علامة سيارات وطنية كهربائية. هذه الخطوات لا تمثل مجرد تطوير صناعي، بل تعكس نقلة استراتيجية في الاقتصاد السعودي نحو التنويع والابتكار، وتوطين الصناعات المتقدمة في أرضٍ كانت تُعرف سابقًا بكونها مستوردًا كبيرًا للسيارات، لا مصنعًا لها.
ومع هذا الزخم الصناعي، تستثمر المملكة أيضًا في بنية تحتية متطورة لدعم المركبات الكهربائية، تشمل محطات شحن موزعة في مختلف المدن، وتحديثًا شاملاً للتشريعات المرتبطة بالتراخيص والسلامة. وتسعى الجهات التنظيمية لتوفير بيئة جاذبة للابتكار في قطاع النقل الذكي، وهو ما يشمل دعم الشركات الناشئة المحلية والعالمية العاملة في مجال الذكاء الصناعي والقيادة الذاتية، في مدن مثل نيوم، التي تمثل نموذجًا للمدن المستقبلية المتكاملة بيئيًا وتكنولوجيًا. لم يعد التوجه إلى السيارات الكهربائية مجرد موضة أو رفاهية بيئية، بل أصبح ضرورة استراتيجية، تعكس التزام المملكة بخفض الانبعاثات الكربونية، وتحقيق مستهدفات مبادرة السعودية الخضراء التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. تسعى المملكة إلى خفض الانبعاثات بمقدار 278 مليون طن سنويًا بحلول 2030، وتُعد صناعة السيارات المستدامة إحدى أبرز الأدوات لتحقيق هذا الهدف.
مساهمة المرأة في صناعة المركبات الكهربائية
منذ اللحظة المفصلية التي سُمِح فيها للمرأة السعودية بقيادة السيارة في عام 2018، لم يكن الأمر مجرد كسرٍ لحاجز اجتماعي، بل بداية لتحول ثقافي عميق في مفهوم التنقل ذاته. فقيادة المرأة لم تُعد فقط حقًا مكتسبًا، بل تحولت إلى منصة للمشاركة، ومسؤولية تجاه البيئة والمجتمع، ونقطة انطلاق نحو إعادة تشكيل الوعي التنقلي في المملكة. ولم تمضِ سنوات قليلة حتى أصبحت السعوديات أصواتًا فاعلة في المشهد الجديد للتنقل المستدام، يتبنين المفهوم لا كخيار شخصي فقط، بل كقضية مرتبطة بجودة الحياة، وحماية البيئة، وتطوير الاقتصاد. لقد انتقلن من مقاعد الانتظار إلى مقاعد القيادة بكل معانيها، قيادة السيارة، والموقف، والرؤية. في موازاة ذلك، تشهد الجامعات والمؤسسات التعليمية في السعودية إقبالًا لافتًا من الفتيات على التخصصات التقنية والهندسية، مثل الهندسة الميكانيكية والكهربائية وهندسة الطاقة، وهي ميادين كانت حتى عهد قريب تعد حكرًا على الذكور. اليوم، تنخرط الشابات السعوديات في مسارات أكاديمية ومهنية تسهم مباشرة في صناعة المركبات الكهربائية وتقنياتها الذكية. ولم يعد ذلك مجرد طموح نظري، بل واقع عملي يتجسد في انضمام سعوديات إلى خطوط الإنتاج في مصانع سيارات عالمية، من أبرزها شركة "لوسيد" في جدة، حيث تعمل المهندسات السعوديات على تطوير سيارات كهربائية بتقنيات عالية، كجزء من مشروع وطني يسعى إلى تحويل المملكة إلى مركز صناعي وتكنولوجي في هذا المجال.
إنها نقلة نوعية لا تعبّر فقط عن تمكين المرأة، بل عن تسخير طاقاتها في خدمة التحول الوطني الكبير، والمشاركة في صناعة الحلول البيئية والاقتصادية المستقبلية، لتكون المرأة السعودية اليوم رأس حربة في التغيير، وسفيرة لجيل جديد يقود نحو تنقلٍ نظيف، واعٍ، وذكي.
المرأة والتقنية الخضراء
تلعب المرأة السعودية اليوم دورًا محوريًا في تعزيز الوعي البيئي، لا من خلال قيادة السيارات الكهربائية فحسب، بل عبر اتخاذ قرارات استهلاكية واعية تشمل شراء المركبات الصديقة للبيئة، تقليل الاعتماد على الوقود، وتشجيع وسائل النقل المشتركة، والمشاركة في المبادرات المجتمعية المعنية بالحفاظ على البيئة وجودة الحياة. وفي ظل تركيز رؤية 2030 على الاستدامة، باتت المرأة شريكًا طبيعيًا في هذا المسار، خاصة مع ما تمتاز به من وعي استهلاكي واهتمام متزايد بالقضايا البيئية. ويبدو ذلك واضحًا في تفاعل السعوديات مع حملات التوعية، ودعمهن المستمر للمشاريع البيئية، مثل إعادة التدوير والطاقة المتجددة، وأنماط القيادة الذكية منخفضة التأثير الكربوني. هذا الدور لم يعد يقتصر على الممارسات اليومية، بل امتد إلى المجالات التقنية والصناعية، مع توسّع فرص السعوديات في مجالات الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، وتصميم أنظمة القيادة الذاتية، والبرمجيات المرتبطة بصناعة السيارات الحديثة.
ومن الجدير بالذكر ان التوجه العام يعكس زيادة ملحوظة في إقبال الطالبات السعوديات على التخصصات التقنية والهندسية، مدفوعًا بتغير نظرة المجتمع، ودعم الدولة، وتنامي المشاريع المرتبطة بالنقل الذكي. وبذلك، تُعيد المرأة السعودية رسم دورها في هذا القطاع الواعد، لا كمستهلكة فقط، بل كصانعة قرار، ومهندسة مستقبل، وسفيرة لثقافة صناعية جديدة تضع البيئة والتكنولوجيا في قلب المعادلة الوطنية.
المشاركة في البحث والتطوير
في عالم تتسارع فيه الابتكارات التقنية وتتغير فيه قواعد الصناعة يومًا بعد يوم، لا تعُد صناعة السيارات مجرد خطوط إنتاج ومعدّات، بل أصبحت ساحة حيوية للبحث العلمي، والاختبارات الهندسية، وتطوير الحلول الذكية. وفي قلب هذا المشهد، تضع المملكة العربية السعودية قدمها بثبات، ليس فقط كمستهلك أو مستثمر، بل كشريك معرفي وتقني يسعى لقيادة التحول نحو سيارات المستقبل. ضمن رؤية 2030، تسعى المملكة إلى بناء اقتصاد قائم على المعرفة، وهو ما جعل البحث والتطوير أحد أعمدة استراتيجيات التصنيع الجديدة، وخصوصًا في قطاع السيارات. ومن خلال مشاريع كبرى مثل "لوسيد موتورز"، تعمل المملكة على نقل التقنية وتوطينها، بما يشمل اختبار المواد، تصميم النماذج الأولية، تطوير البطاريات، وأنظمة القيادة الذاتية. ولم يعد الدور السعودي مقتصرًا على استقطاب المصانع، بل أصبح يشمل إنشاء مراكز أبحاث متقدمة داخل المملكة، بالتعاون مع جامعات ومراكز بحثية عالمية، ما يجعل السعودية طرفًا أصيلاً في سباق تطوير المركبات الذكية والمستدامة. وفي هذا السياق، تتقدم المرأة السعودية بخطى راسخة نحو مجالات البحث والتطوير، مستفيدة من الحراك الوطني في تمكين الكفاءات النسائية. فالجامعات السعودية أصبحت حاضنات للمواهب النسائية في تخصصات دقيقة مثل: هندسة المواد المتقدمة، برمجة أنظمة المركبات الذكية، الذكاء الاصطناعي في المركبات، وتكنولوجيا البطاريات الكهربائية. ومن خلال برامج الابتعاث، وفرص التدريب في الشركات التقنية، واحتضان الموهوبات في برامج وطنية، إشراك المرأة في الصناعات الاستراتيجية، أصبحت المرأة اليوم جزءًا من منظومة التطوير، لا كمستفيدة فحسب، بل كمنتجة للمعرفة ومخترعة للحلول.
رسم ملامح النقل الذكي
تمثل مراكز الأبحاث في المملكة نقطة ارتكاز استراتيجية في تطوير تقنيات السيارات، خصوصًا في مجالات: خفض استهلاك الطاقة، تحليل البيانات الضخمة أثناء القيادة، تطوير حلول الملاحة الذكية، وأمن المعلومات في المركبات المتصلة بالشبكات. هذه المراكز، التي بدأت تظهر في مدن مثل الرياض، وجدة، ونيوم، لا تكتفي بتبنّي التقنيات من الخارج، بل تسعى إلى ابتكار نسخ محلية تناسب البيئة السعودية، والظروف المناخية، والبنية التحتية، ما يفتح المجال أمام الباحثين والباحثات للمشاركة الفعلية في كتابة مستقبل الصناعة. وتحرص المملكة على عقد شراكات استراتيجية مع كبرى الجامعات والمراكز البحثية، مثل: جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، جامعة الملك سعود، مراكز البحث في "لوسيد" و"سير"، بالإضافة إلى تعاونات مع معاهد أوروبية وأميركية لتبادل المعرفة. هذه الشراكات لا تقتصر على التبادل الأكاديمي، بل تمتد إلى المشاريع المشتركة والبرامج التدريبية المتخصصة التي تُدمج فيها الكوادر السعودية، رجالاً ونساء، في خطوط الابتكار العالمي. ولتسريع عجلة التطوير، تعمل الحكومة على تقديم حوافز للأبحاث الصناعية المرتبطة بالاستدامة، دعم براءات الاختراع المحلية، تمويل المشاريع التي تدمج بين القطاع الأكاديمي والخاص، وتطوير المعسكرات البحثية التقنية التي تجمع الطلبة والمبتكرين والمهندسين في منصات مفتوحة للتجربة والإبداع. ومع دخول المرأة هذا الفضاء، تكتسب التجربة السعودية بُعدًا إضافيًا، إذ تمثل مشاركتها علامة على نضج بيئة البحث، وتنوع مواردها البشرية، ومصداقية التمكين في القطاع الصناعي الأحدث في المملكة. إن مشاركة المرأة السعودية في مجالات البحث والتطوير في صناعة السيارات لم تعد مجرّد رمزية تمكينية، بل أصبحت جزءًا من معادلة التقدم التكنولوجي الحقيقي. فاليوم، تسهم الباحثات السعوديات في رسم ملامح النقل الذكي، من خلال ابتكار حلول وتطوير أنظمة تؤثر في حياة الملايين، وتدفع المملكة خطوة أقرب نحو تحقيق سيادتها التقنية. وبينما تواصل المملكة الاستثمار في العقل والمعرفة، يبقى البحث والتطوير هو اللغة التي تتحدث بها الصناعة الحديثة، وتبقى المرأة السعودية من أبرز من يجيد ترجمتها إلى واقع، واعد، وذكي.
نيوم نموذج الابتكار الطموح
في إطار رؤية السعودية 2030، تسعى المملكة إلى بناء مدن مستقبلية تعكس أحدث التقنيات في مجالات النقل، البيئة، والاقتصاد، ومن بين هذه المشاريع الطموحة يبرز مشروع نيوم كرمز للتحول الحضاري والتقني. يجمع مشروع نيوم بين مفهوم المدينة الذكية وقطاع النقل المتطور ليشكل نموذجًا رائدًا يسعى إلى إعادة تعريف تجربة التنقل المستدام والذكي على مستوى المنطقة والعالم. ويشكل قطاع النقل الذكي العمود الفقري في مدن المستقبل، حيث يعتمد على تكامل تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي، الإنترنت الصناعي، والبيانات الضخمة لتوفير حلول نقل آمنة، سريعة، ومستدامة. في نيوم، تتجسد هذه الرؤية من خلال أنظمة متطورة مثل السيارات ذاتية القيادة، شبكات النقل الكهربائية، وتطبيقات النقل المشترك التي تقلل من الانبعاثات الكربونية، وتحسن جودة الحياة.
يهدف المشروع إلى ربط المدينة بأنظمة نقل ذكية متكاملة، تشمل النقل الجوي، البري، والبحري، مدعومة ببنية تحتية متطورة تشمل محطات شحن للمركبات الكهربائية، وأنظمة مراقبة وتحليل حركة المرور بشكل لحظي، مما يقلل من الازدحام ويحسن السلامة العامة.
نيوم ليست مجرد مشروع تطوير حضري، بل منصة تجمع بين التقدم التكنولوجي والتنمية المستدامة، لتعزيز الاقتصاد المعرفي والبيئة النظيفة. في قلب نيوم، يتم تصميم نظام نقل يدمج بين الحلول البيئية وتقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يسمح بتقديم تجربة تنقل ذكية، شخصية، وموفرة للطاقة. تعتمد نيوم على شبكة نقل متصلة تعتمد على المركبات الكهربائية ذاتية القيادة، وتدعم التنقل المشترك، وتستخدم حلول النقل الذكية التي تتكيف مع احتياجات السكان والزوار في الوقت الحقيقي، ما يجعلها واحدة من أكثر المدن كفاءة واستدامة في العالم. يدعم نيوم شراكات مع شركات تقنية عالمية، ومؤسسات بحثية، لتعزيز البحث والتطوير في مجالات النقل الذكي، مثل التعاون مع شركات السيارات الكهربائية، مزودي البرمجيات الذكية، ومطوري حلول التنقل المستدام. كما توفر نيوم بيئة محفزة للابتكار، تستقطب المواهب المحلية والعالمية للمساهمة في تطوير تقنيات النقل المستقبلية.
يرتكز قطاع النقل في نيوم على استراتيجيات بيئية تضمن تقليل الانبعاثات الكربونية، وتحسين جودة الهواء، والحفاظ على الموارد الطبيعية، مما يعزز من مكانة المدينة كنموذج عالمي للمدن المستدامة. وتساهم هذه الرؤية في دعم الأهداف الوطنية للحد من التلوث والتوسع في استخدام الطاقة النظيفة. وبذلك، لا يمثل مشروع نيوم فقط تحولا في البنية التحتية والنقل، بل يمثل نموذجًا عمليًا لتكامل التقنية والبيئة والاقتصاد في خدمة الإنسان، ويعد منصة حقيقية لاستشراف مستقبل المدن في القرن الحادي والعشرين.
نظام متكامل للذكاء الحضري
في قلب الرؤية المستقبلية لمدينة نيوم، لا تُعد السيارات مجرد وسيلة نقل، بل جزءًا من نظام متكامل للذكاء الحضري يعتمد على الاتصال اللحظي، والمعالجة الذكية للبيانات، والتفاعل بين الإنسان والآلة. وتأتي السيارات ذاتية القيادة وتقنيات الربط الذكي في طليعة هذه الرؤية، باعتبارها أدوات لرفع كفاءة التنقل، وتقليل الانبعاثات، وتعزيز السلامة وجودة الحياة. في نيوم، يتم تصميم الطرق والمرافق من الصفر لتكون متوافقة مع احتياجات المركبات ذاتية القيادة، من خلال إنشاء شبكات استشعار في الطرقات ترصد حالة الحركة في الوقت الفعلي، واستخدام تقنيات تسمح للسيارات بالتواصل مع إشارات المرور، المشاة، البنية التحتية، وحتى سيارات أخرى، مع تغطية المدينة بشبكة 5G فائقة السرعة لضمان تدفق فوري للبيانات بين المركبة والمركز الذكي للتحكم. هذه البيئة المتصلة تسمح للسيارات باتخاذ قرارات لحظية، مثل تغيير المسار لتفادي حادث، أو تقليل السرعة تلقائيًا عند مرور مشاة، دون تدخل بشري. ومن بين أبرز تطبيقات هذا التوجه، مشروع "ذا لاين" الذي يُبنى كأول مدينة في العالم تُدار بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي وتُمنع فيه السيارات التقليدية، حيث تعتمد حركة السكان على مركبات ذاتية القيادة بالكامل، ونظام مواصلات خفي متعدد المستويات يتضمن شبكة كهربائية من المركبات المتصلة، مع الربط المباشر بين المنازل، والعمل، والخدمات في أقل من 5 دقائق تنقل. كما أعلنت نيوم في 2022 عن بدء تجارب تشغيل سيارات ذاتية القيادة بالتعاون مع شركات تقنية عالمية، يتم فيها اختبار المركبات في بيئات متنوعة (صحراوية، حضرية، ساحلية)، وقياس كفاءة التعلم الآلي في التكيف مع أنماط القيادة المحلية والبيئية، وتطوير قواعد بيانات ضخمة لتحسين استجابة المركبات الذكية للمواقف الطارئة.
وفي ذات السياق، لا تعمل تقنيات السيارات الذاتية القيادة في عزلة، بل ترتبط بمراكز التحكم الذكية ومجمعات البيانات المركزية التي تحلل سلوك التنقل داخل المدينة، وتتنبأ بالازدحامات والحوادث وتعيد توجيه المركبات ذاتيًا، وتسمح للمستخدم بالتحكم الكامل بتجربته عبر تطبيق موحّد يشمل التنقل، الإقامة، والخدمات. كل ذلك يُدمج ضمن رؤية نيوم لتصبح أول مدينة في العالم تبني منظومة نقل دون انبعاثات، وذاتية بالكامل، ومتصلة رقميًا لحظيًا. وتُعد تجربة نيوم مرجعًا عالميًا في مجال دمج تقنيات السيارات الذكية في البنية الحضرية، وهي منصة قابلة للتكرار في مدن سعودية وعربية أخرى في المستقبل. كما تسهم هذه التجربة في رفع كفاءة الطاقة عبر تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتعزيز الأمن والسلامة المرورية، وتمكين الباحثين والمبرمجين السعوديين من تطوير حلول محلية تناسب البيئة والمجتمع. تُظهر نيوم كيف يمكن للمدن أن تتبنى تقنيات المركبات الذاتية القيادة ليس فقط كترف تقني، بل كحل جذري لمشكلات التنقل، والاستدامة، وكفاءة البنية التحتية. ومن خلال دمج السيارات في نظام ربط ذكي متكامل، تتحول المدينة إلى كائن حي يتفاعل ويتعلم ويستجيب لحظيًا، ويُعيد تشكيل مستقبل الحياة الحضرية من جديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.