الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط.. خطوات جريئة وتقدم حقيقي    المنتخب السعودي يتغلب على نظيره الهايتي    رياح و حرارة شديدة على اجزاء من معظم مناطق المملكة    ارتفاع أسعار النفط    أخبار وأرقام    تعزيز المنظومة اللوجستية مع 16 ميناء عالمياً    "التجارة" تذكّر بمهلة القوائم المالية    آن الأوان أن تسمى الأمور بأسمائها في الشرق الأوسط    الضربات المتبادلة مستمرة.. إسرائيل تستهدف 80 موقعاً بطهران.. وإيران ترد بصواريخ على حيفا    بالتزامن مع التصعيد ضد طهران.. الاحتلال يشدد الإجراءات في الضفة الغربية    مواسم تمضي… وحصاد ينتظر    سان جيرمان يقسو على أتلتيكو مدريد برباعية في مونديال الأندية    الهلال يستعيد كانسيلو قبل مواجهة ريال مدريد    البلجيكي برايس يقترب من قيادة النصر    بمتابعة مستمرة من أمير تبوك.. مدينة الحجاج بحالة عمار تواكب عودة ضيوف الرحمن إلى أوطانهم    أفراح آل حداد و اتوتا بزواج حسام    مسؤولون وأعيان يواسون أسرة آل ساب في فقيدهم زاهد    مجلس أسرة الجعفري الطيار يستضيف جمعية الرياحين لرعاية الأيتام بالأحساء    وزير التعليم يكرم بن نوح لتميزه العلمي    الضيف الذي غادر بيوتنا… وماذا بقي من البركة؟    "تحت السواهي".. مسرحية تبرز المواهب الوطنية    وقفات مع الحج    الربيعة طمأنه على مغادرة طلائع حجاج بلاده.. رئيس بعثة الحج الإيرانية: نشكر القيادة على الرعاية والاهتمام    المفتي وأعضاء اللجنة الدائمة يستقبلون المستفتيين    علماء يبتكرون دواء جديداً ل" القاتل الصامت"    إيران تمدد تعليق الرحلات الجوية    مصرع 3 أشخاص جراء الفيضانات في "وست فرجينيا" الأمريكية    حرب ترمب / نتنياهو: إيران بلا خيارات    تطوير الذات بين الوعي والتفكير النقدي    الكلمة حين تصير بيتا للمشاعر    نائب أمير الرياض يستقبل رئيس المحكمة ومدير فرع النقل    %17 زيارة السعوديين لمهرجانات الأعياد    الاقتصاد السعودي يواصل نموه مدفوعاً بارتفاع «الأنشطة غير النفطية»    ولي العهد ورئيس الوزراء اليوناني يبحثان التصعيد الإسرائيلي ضد إيران    المسحل: مشاركة الأخضر في «الذهبية» خطوة في جهود التطوير    سعوديات يستوحين تصاميمهن من النخلة    استعراض تقرير رئاسة البحوث العلمية والإفتاء أمام أمير جازان    الهوية الرقمية تخفي جوازات السفر قريبا    باحثون يحولون الضوء إلى مادة صلبة    مدينة الحجاج بحالة عمار تواكب وداع الحجاج    خطوات مدعومة علميا لنوم عميق    الكارديو أم رفع الأثقال أولا    100 دقيقة مشي تحمي الظهر    7.9 مليارات قيمة سوق سياحة الأحساء    وزير الحرس الوطني يستقبل قادة الوزارة وكبار مسؤوليها    سفيرة خادم الحرمين الشريفين لدى الولايات المتحدة الأمريكية تلتقي بعثة الهلال في أمريكا    أدبي حائل يستعرض حياة عنترة في النعي التاريخية    الأخضر السعودي يخسر نهائي بطولة تولون أمام منتخب فرنسا    أمير تبوك يواسي الشيخ عبدالله الضيوفي في وفاة شقيقه    وزير الحج والعمرة يطمئن رئيس بعثة الحج الإيرانية    الأمير سعود بن نهار يستقبل أهالي الطائف المهنّئين بعيد الأضحى    الشؤون الإسلامية في جازان تعايد منسوبيها بمناسبة عيد الأضحى المبارك        نائب أمير جازان يستقبل قائد حرس الحدود بالمنطقة    الندوة العالمية: السعودية رائدة في الاهتمام بكبار السن ورعايتهم    نائب أمير جازان يستقبل مفوض الإفتاء ومدير فرع الرئاسة بالمنطقة    ولي العهد يُعزي رئيس وزراء الهند في ضحايا تحطم الطائرة    طبيبة تحذر من جفاف الجسم في الطقس الحار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المملكة من البحر إلى العالم.. الموانئ بوابات القوة الناعمة
نشر في الرياض يوم 15 - 06 - 2025

عندما بدأت السعودية في إعادة تعريف هويتها الاقتصادية ضمن رؤية المملكة 2030، لم يكن النفط وحده محل المراجعة، بل البحر أيضًا. فالموانئ، التي كانت لعقود مجرد بوابات للاستيراد والتصدير، باتت اليوم منصات استراتيجية لبناء النفوذ، وتوسيع آفاق التبادل التجاري، وتحقيق الريادة اللوجستية الإقليمية والدولية، موقع المملكة الجغرافي الفريد، المطل على البحر الأحمر من الغرب والخليج العربي من الشرق، لم يعد فقط ميزة جغرافية صامتة، بل أصبح أصلًا حيويًا يتم تفعيله عبر استثمارات في البنية التحتية، وتطوير المرافئ، وتعزيز التكامل بين البحر والبر والجو، في وقت تتسابق فيه دول العالم لتحسين مواقعها على خريطة التجارة العالمية.
من التصنيف إلى التفوق
بحلول عام 2024، حققت المملكة قفزة لافتة في التصنيف العالمي لحركة الحاويات، متقدمة إلى المرتبة الخامسة عشرة عالميًا وفق تصنيف (Lloyd's List)، وهذا الإنجاز لم يكن مصادفة، بل نتيجة سياسة استباقية وضعت فيها السعودية الموانئ في قلب استراتيجيتها الاقتصادية، حيث تجاوزت الحاويات المتداولة في بعض الموانئ أرقامًا غير مسبوقة، مثل ميناء جدة الإسلامي الذي تجاوز خمسة ملايين حاوية سنويًا، وميناء الملك عبدالعزيز في الدمام الذي اقترب من سقف 2.5 مليون حاوية، ولم يكن حجم الحاويات وحده معيار التقدم، بل سرعة المناولة، مستوى الرقمنة، تنوع الخدمات، ومرونة الربط مع الأسواق الدولية، كل ذلك شكل شبكة من النجاحات المتراكمة التي صنعت من الموانئ السعودية لاعبة رئيسية في معادلة التجارة العالمية.
جدة.. النجم البحري على ساحل الغرب
وعلى ضفاف البحر الأحمر، يمتد ميناء جدة الإسلامي كأكبر وأهم موانئ المملكة وأكثرها اتصالًا بالعالم، فهو يستقبل أكثر من نصف واردات المملكة، ويشكل رابطًا بحريًا بين آسيا وأوروبا، وتوسع الميناء في بنيته ومرافقه بوتيرة متسارعة، وشهد إدخال أنظمة ذكية للمناولة والتتبع؛ ما جعله اليوم من بين أكثر الموانئ كفاءة في المنطقة، وما يميز جدة ليس فقط سعته أو موقعه، بل قدرته على التكيّف مع متغيرات السوق، وتقديم خدمات متكاملة للخطوط الملاحية الكبرى، ما جعله نقطة جذب استراتيجية للسفن العملاقة، ومركزًا محوريًا في مبادرة الحزام والطريق الصينية.
الدمام.. البوابة الشرقية ومفصل الربط البري
في الشرق، يشكّل ميناء الملك عبدالعزيز بالدمام الواجهة البحرية لمنطقة الرياض الصناعية والمالية، حيث يرتبط مباشرة بسكة حديدية تصل إلى العاصمة، ما يوفر نموذجًا متقدمًا للربط متعدد الوسائط. وقد دخل الميناء في شراكة استراتيجية مع شركة SGP السنغافورية، أحد أكبر مشغلي الموانئ عالميًا، في خطوة عززت الأداء التشغيلي ورفعت من مستوى الحوكمة التشغيلية، وبات الميناء اليوم منصة تصدير متكاملة للمنتجات الصناعية والبتروكيماوية، وقاعدة لوجستية تدعم القطاع غير النفطي في المملكة، وسط طموح لبلوغ سبعة ملايين حاوية سنويًا خلال العقد القادم.
رابغ.. من الحلم إلى المنافسة
وفي الرابغ، صعد ميناء الملك عبدالله كمشروع طموح يقوده القطاع الخاص، ليستحوذ على موقع متقدم في تصنيفات الأداء رغم حداثة عمره، حيث أصبح أحد أسرع الموانئ نموًا في المنطقة، مع خطط توسعية تتجاوز العشرين مليون حاوية، أما ميناء نيوم، فحكايته مختلفة، لأنه ليس مجرد ميناء، بل نموذج مستقبلي لمدينة بحرية تدار بأنظمة ذكية منذ اللحظة الأولى، ولاشك أنّ ربط ميناء نيوم بمنظومة التنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر والذكاء الاصطناعي، يعكس تحوّلًا نوعيًا في مفهوم البنية التحتية البحرية، فالميناء هناك ليس مشروعًا قائمًا على الشحن فقط، بل مشروع تمكين حضاري لاقتصاد المستقبل.
من الورش إلى الخوارزميات
ولم تكن قفزة الموانئ السعودية ناتجة عن التوسعة الفيزيائية فحسب، بل عن التحوّل الذكي في طريقة إدارتها، ففي الدمام وجدة وغيرهما، تم إدخال أنظمة تحكم تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وشبكات اتصالات من الجيل الخامس، وأذرع آلية تتعامل مع الحاويات بقدرات مناولة تضاهي الموانئ الأوروبية والآسيوية الكبرى، ومع هذه التقنيات، أصبحت الكفاءة معيارًا، والبيانات محركًا، والتحوّل الرقمي أداة للتفوق، ما أعاد تعريف العلاقة بين الميناء والمستهلك، بين السفينة والمخزن، بين الحدود الوطنية والتدفقات العالمية.
بين الطموح والتحديات
لكن هذا النمو لا يخلو من التحديات، فمع ارتفاع حجم الحركة البحرية، تتزايد الحاجة إلى تأمين الحماية السيبرانية، وضمان استمرارية التشغيل في وجه الهجمات الإلكترونية أو الأعطال الكبرى، كما يطرح تغيّر المناخ تحديًا حقيقيًا لبعض الموانئ السعودية الساحلية، خاصة تلك المطلة على مناطق منخفضة مهددة بارتفاع مستوى البحر، وكل ذلك يتطلب سياسات استباقية، واستثمارات في البنية التحتية الوقائية، وتكاملًا بين القطاعات التقنية والبيئية والهندسية، لضمان بقاء الموانئ في موقع القوة لا الهشاشة.
الاقتصاد يبحر من جديد
اليوم، تلعب الموانئ دورًا متناميًا في دعم الاقتصاد غير النفطي، سواء عبر التوظيف، أو الصناعات اللوجستية، أو زيادة تدفق الصادرات الصناعية، أو استقطاب الشركات العالمية إلى المناطق الاقتصادية الخاصة المتاخمة للمرافئ، والموانئ لم تعد مجرد منشآت تشغيلية، بل باتت واجهات استراتيجية تجذب الاستثمار، وتخلق فرص العمل، وتختصر الزمن الجغرافي بين المنتج والمستهلك، إنها اليوم رموزٌ لتحول أوسع في اقتصاد الدولة، من ريعية تقليدية إلى شبكة متشابكة من الكفاءة والإنتاجية والربحية.
من البحر نبدأ
ولا يمكن فهم الطموح السعودي نحو الريادة الإقليمية والعالمية دون النظر إلى الموانئ باعتبارها المحور الصامت الذي يحرك العجلة، فالموانئ ليست مجرد أرصفة وسفن، بل مؤشرات على جدية الدولة في التحديث، وعلى استعدادها لبناء اقتصاد متنوع قادر على المنافسة، ومع ما تحقق في الأعوام القليلة الماضية، تبدو السعودية أقرب من أي وقت مضى لأن تتحول من دولة بحرية صامتة إلى قوة بحرية ناعمة، ترسم خرائط التجارة وتعيد ضبط بوصلتها لصالح المستقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.