بينما يُعاد تسويق وقف إطلاق النار في غزة بوصفه فرصة للتهدئة، تتكشف على الأرض ملامح مشروع إسرائيلي أعمق وأكثر رسوخًا، يقوم على ركيزتين متلازمتين: التوسع الاستيطاني الدائم، والعنف المنهجي الذي بلغ في غزة حد الإبادة الجماعية. فالموافقة الإسرائيلية الأخيرة على إنشاء 19 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية لا تمثل حدثًا منفصلًا، بل تأتي ضمن سياق تاريخي ممتد، يُظهر أن الاستيطان لم يكن يومًا أداة تفاوض، بل هدفًا إستراتيجيًا ثابتًا، وأن الإبادة ليست انحرافًا، بل نتيجة تراكمية لمسار طويل من الإخضاع والإقصاء. أولًا: قرار المستوطنات أقرّ مجلس الوزراء الإسرائيلي إنشاء 19 مستوطنة يهودية جديدة في الضفة الغربيةالمحتلة، في خطوة رفعت عدد المستوطنات التي أُنشئت خلال العامين الماضيين إلى 69، وفق تصريحات وزير المالية بتسلئيل سموتريتش. وبهذا القرار، يرتفع عدد المستوطنات من 141 عام 2022 إلى 210 مستوطنات، أي بزيادة تقارب خمسين في المئة خلال فترة حكم الحكومة الحالية. يأتي هذا التوسع في ظل حكومة يهيمن عليها اليمين القومي والديني المتطرف، ويُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي، ورسالة مباشرة بنسف أي مسار سياسي محتمل لإقامة دولة فلسطينية، وهو ما يتعارض علنًا مع الخطاب الدولي المصاحب لجهود وقف إطلاق النار في غزة. ثانيًا: أداة طرد وإحلال ولم يعد الاستيطان مقتصرًا على البناء، بل تحول إلى منظومة عنف متكاملة. فقد وثّق مكتب الأممالمتحدة للشؤون الإنسانية ارتفاعًا غير مسبوق في هجمات المستوطنين، بمعدل ثماني هجمات يوميًا خلال موسم قطف الزيتون، شملت حرق مركبات، وتدنيس مساجد، وتدمير أراضٍ زراعية، ونهب ممتلكات فلسطينية، وسط غياب شبه كامل للمساءلة. وتشير منظمات حقوقية إلى أن قرارات الحكومة الإسرائيلية الأخيرة شملت إضفاء الشرعية بأثر رجعي على بؤر استيطانية أُقيمت أصلًا على أراضٍ جرى إخلاء الفلسطينيين منها بالقوة، ما يعكس طبيعة المشروع الاستيطاني بوصفه سياسة طرد وإحلال ممنهجة، لا إجراءً أمنيًا ظرفيًا. ثالثًا: أداة للعنف ومنذ بدء وقف إطلاق النار الهش في غزة، تراجع الزخم الإعلامي الدولي، بينما استمر القتل بوتيرة أقل حدّة ولكنها أكثر انتظامًا. فخلال أسابيع قليلة من الهدنة، قُتل مئات الفلسطينيين، في ما يمكن وصفه بوقف إطلاق نار مُخفف، لا يوقف العنف بل يعيد تنظيمه. تشير بيانات تاريخية إلى أن إسرائيل كانت الطرف المبادر بخرق اتفاقات التهدئة في الغالبية الساحقة من الحالات، حتى قبل الحرب الحالية، ما يطرح تساؤلات جوهرية حول جدوى هذه الهدنات، وهل تُستخدم فعلًا لوقف العنف أم لإدارته بما يخدم الطرف الأقوى. رابعًا: الجذور الأيديولوجية ولفهم هذا النمط المتكرر، لا بد من العودة إلى الأساس الأيديولوجي للمشروع الصهيوني في صيغته القومية السائدة. فبعد تهميش تيارات صهيونية أقل عدوانية، ترسخت رؤية تقوم على السيادة الحصرية، واحتكار القوة، والتعامل مع الفلسطينيين بوصفهم عقبة ديموغرافية وسياسية يجب إخضاعها أو إزالتها. منذ وعد بلفور، وما سبقه وتلاه من تفاهمات إمبراطورية، جرى التعامل مع فلسطين باعتبارها أرضًا قابلة للتصرف دون اعتبار لسكانها الأصليين. وقد مهد هذا المنطق لما تلا ذلك من نكبة، واحتلال، وانتفاضات، ومجازر دورية، شكلت جميعها حلقات في سلسلة واحدة. خامسًا: إلى الإبادة وعلى مدى عقدين، اعتمدت إسرائيل ما تسميه عقيدة جز العشب، أي شن عمليات عسكرية متكررة لإضعاف غزة دون حل جذري. غير أن فشل هذه السياسة في تحقيق إخضاع دائم، دفع نحو تصعيد غير مسبوق بلغ مستوى الإبادة الجماعية، تجلى في التدمير الواسع للبنية المدنية، واستهداف المستشفيات، وفرض التجويع، وتدمير نحو تسعين في المئة من المساكن. في هذا السياق، تبدو الحرب الحالية ذروة منطقية لمسار طويل، لا استثناءً عنه، خاصة مع تصاعد الخطاب الرسمي الذي ينزع عن الفلسطينيين إنسانيتهم، ويعيد طرح الاستيطان بوصفه مرحلة تالية لما بعد الحرب. أبرز العمليات العسكرية الإسرائيلية 1 - عملية قوس قزح، مايو 2004 الخسائر: إسرائيليون: 13، فلسطينيون: 59الهدف المزعوم: هدم مناطق في رفح، تدمير المنازل والبنية التحتية، وقمع المقاومة في قطاع غزة. 2 - عملية يوم التوبة، سبتمبر – أكتوبر 2004 الخسائر: إسرائيليون: 8، فلسطينيون: 107الهدف المزعوم: قمع نيران الصواريخ وقذائف الهاون المنطلقة من قطاع غزة. 3 - عملية أمطار الصيف، يونيو – نوفمبر 2006الخسائر: إسرائيليون: 11، فلسطينيون: 402الهدف المزعوم: وقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، واستهداف البنية التحتية المرتبطة بالمقاومة. 4 - عملية غيوم الخريف، أكتوبر – نوفمبر 2006 الخسائر: إسرائيلي: 1، فلسطينيون: 50الهدف المزعوم: قمع إطلاق الصواريخ من شمال قطاع غزة، لا سيما من محيط بيت حانون. 5 - عملية الشتاء الحار، 2008 الخسائر: إسرائيليون: 3، فلسطينيون: 107الهدف المزعوم: توجيه ضربات وقائية لفصائل المقاومة ووقف إطلاق الصواريخ من القطاع. 6 - عملية صب الرصاص، 2008–2009 الخسائر: إسرائيليون: 13، بينهم 3 بنيران صديقة، فلسطينيون: 1166–1440 الهدف المزعوم: إضعاف القدرات العسكرية للمقاومة وقمع إطلاق الصواريخ من غزة عبر عملية عسكرية واسعة النطاق. 7 - عملية إعادة الصدى، 2012 الخسائر: إسرائيليون: 0، فلسطينيون: 23الهدف المزعوم: تدمير مخابئ الأسلحة، ومواقع تصنيعها، ونقاط إطلاق الصواريخ في قطاع غزة. 8 - عملية عمود الدفاع، 2012 الخسائر: إسرائيليون: 6، فلسطينيون: 105الهدف المزعوم: قمع إطلاق الصواريخ من غزة، وتشديد القيود البحرية على الصيد الفلسطيني، وتقويض نفوذ حركة حماس. 9 - عملية الجرف الواقي، 2014 الخسائر: إسرائيليون: 73، فلسطينيون: 2125–2310الهدف المزعوم: استكمال عملية «حارس الأخ» والرد على مقتل ثلاثة مستوطنين في الضفة الغربية عبر اجتياح واسع لقطاع غزة. 10 - عملية حارس الأسوار، 2021 الخسائر: إسرائيليون: 12، فلسطينيون: 253الهدف المزعوم: قمع إطلاق الصواريخ من قطاع غزة في سياق تصعيد مرتبط بالقدس. 11 - عملية بزوغ الفجر، 2022 الخسائر: إسرائيليون: 0، فلسطينيون: 49الهدف المزعوم: اعتقال واغتيال قيادات ميدانية في حركة الجهاد الإسلامي داخل قطاع غزة. 12 - عملية الدرع والسهم، مايو 2023 الخسائر: إسرائيلي: 1، فلسطينيون: 33الهدف المزعوم: قمع صواريخ حركة الجهاد الإسلامي وتعزيز معادلة الردع في قطاع غزة.