بدء استقبال الترشيحات لجائزة مكة للتميز في دورتها السابعة عشرة    المدينة الطبية بجامعة الملك سعود تجري أول زراعة لغرسة قوقعة صناعية ذكية بالشرق الأوسط وأفريقيا    أحداث تاريخية في جيزان.. معركة قاع الثور    احتلال مدينة غزة جزء من خطة استراتيجية تنتهي بالتهجير    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ أكثر من 1000 منشط دعوي خلال شهر محرم    تراجع أسعار الذهب    إنهاء معاناة مقيمة عشرينية باستئصال ورم وعائي نادر من فكها في الخرج    أمير تبوك يستقبل المواطن ناصر البلوي الذي تنازل عن قاتل ابنه لوجه الله تعالى    أمير تبوك يدشّن ويضع حجر أساس 48 مشروعًا بيئيًا ومائيًا وزراعيًا بأكثر من 4.4 مليارات ريال    الهولندي "ManuBachoore" يحرز بطولة "EA Sport FC 25"    أوروبا تعلن استعدادها لمواصلة تقديم الدعم لأوكرانيا    حسام بن سعود يطلع على برامج جامعة الباحة    أميركا ومحاربة الفقر    غزة تودّع عشرات الشهداء جلهم من المجوّعين    شدد الإجراءات الأمنية وسط توترات سياسية.. الجيش اللبناني يغلق مداخل الضاحية    مقتل واعتقال قيادات إرهابية بارزة في الصومال    مجهول يسرق طائرة مرتين ويصلحها ويعيدها    نسمة القمم    الرئيس الذهبي    السوبر.. وهج جماهيري وخفوت قانوني    النصر يسعى لضم لاعب إنتر ميلان    القادسية يعترض على مشاركة الأهلي في السوبر    ثنائي ريال مدريد على رادار دوري روشن    المملكة قاعدة خصبة لمواهب الذكاء الاصطناعي    النيابة العامة: رقابة وتفتيش على السجون ودور التوقيف    «منارة العلا» ترصد عجائب الفضاء    «الهلال الأحمر بجازان» يحقق المركز الأول في تجربة المستفيد    منى العجمي.. ثاني امرأة في منصب المتحدث باسم التعليم    تشغيل مركز الأطراف الصناعية في سيؤون.. مركز الملك سلمان يوزع سلالاً غذائية في درعا والبقاع    أداء قوي وتنوع الأنشطة.. 7.9% نمو الإنتاج الصناعي    حساب المواطن: 3 مليارات ريال لدفعة شهر أغسطس    والدة مشارك بالمسابقة: أن يُتلى القرآن بصوت ابني في المسجد الحرام.. أعظم من الفوز    البدير يشارك في حفل مسابقة ماليزيا للقرآن الكريم    260 طالبًا بجازان يواصلون المشاركة في «الإثراء الصيفي»    عبر 4 فرق من المرحلتين المتوسطة والثانوية.. طلاب السعودية ينافسون 40 فريقاً بأولمبياد المواصفات    رانيا منصور تصور مشاهدها في «وتر حساس 2»    كشف قواعد ترشيح السعودية لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم    إطلاق مبادرة نقل المتوفين من وإلى بريدة مجاناً    ثمن جهود المملكة في تعزيز قيم الوسطية.. البدير: القرآن الكريم سبيل النجاة للأمة    استقبل المشاركين من «إخاء» في اللقاء الكشفي العالمي.. الراجحي: القيادة تدعم أبناء الوطن وتعزز تمكينهم بمختلف المجالات    سعود بن بندر يستقبل مدير فرع رئاسة الإفتاء في الشرقية    الإفراط في استخدام الشاشات .. تهديد لقلوب الأطفال والمراهقين    ضمادة ذكية تسرع التئام جروح مرضى السكري    185% نموا بجمعيات الملاك    ترامب يعلن خطة لخفض الجريمة في العاصمة الأمريكية    مجمع الملك عبدالله الطبي ينجح في استئصال ورم نادر عالي الخطورة أسفل قلب مريض بجدة    مصحف "مجمع الملك فهد" يقود شابًا من "توغو" لحفظ القرآن    نائب أمير جازان يزور نادي منسوبي وزارة الداخلية في المنطقة    رونالدو يتألق.. النصر ينهي ودياته بالخسارة أمام ألميريا    الأخضر الناشئ لكرة اليد بين أفضل 16 منتخبًا في العالم.. و"العبيدي" يتصدر هدافي العالم    42% من السعوديين لا يمارسون عناية ذاتية منتظمة و58% يشعرون بالإهمال العاطفي    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالمنطقة    جامعة الملك فيصل تفتح باب التسجيل في البرامج التعليمية إلكترونيا    جمعية "نبض العطاء بجليل" تطلق مبادرة أداء مناسك العمرة    القيادة تعزّي رئيس غانا في وفاة وزير الدفاع ووزير البيئة ومسؤولين إثر حادث تحطم مروحية عسكرية    الشمراني عريساً    بمشاركة نخبة الرياضيين وحضور أمير عسير ومساعد وزير الرياضة:"حكايا الشباب"يختتم فعالياته في أبها    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأعيان الدرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موسم الحج بعيون العالم
نشر في الرياض يوم 12 - 06 - 2025

إشادة دولية بقدرة المملكة على إدارة الحشود في مساحة محدودة وأيام معدودة
يعد الحج الركن الخامس من أركان الإسلام، فرضه الله تعالى على كل مسلم بالغ وعاقل ومستطيع، مرةً واحدة في العمر، كما ورد في قوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) آل عمران:97، والحج ليس مجرد رحلة جسدية إلى أطهر قاع الأرض، بل تجربة إيمانية وروحية وجماعية عميقة، تمثل ذروة التعبد والتجرد من المظاهر والمساواة بين البشر، وظل الحج رمزا حيا لوحدة المسلمين، وتجسيدا لمبادئ الإسلام في التعاون والسلم والانضباط، ويعد موسم الحج أحد أعظم الشعائر الدينية في الإسلام، بل وأكثر استثنائية علي مستوى العالم من حيث الحضور البشري والدلالة الحضرية والقدسية الروحية، ففي كل عام يتوافد الملايين من المسلمين من مختلف البلدان إلى مكة المكرمة، لتأدية مناسك الحج تلبية لنداء النبي إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-، واتباعا لسنة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، ورغم أن الحج عبادة خاصة بالمسلمين، إلا عيونه لا تنحصر في العالم الإسلامي فقط، بل أصبح يمتد إلى أنظار العالم بأجمع، بكل أطيافه ومؤسساته من إعلاميين ومصورين وصحفيين وأكاديميين ومراقبين ثقافيين، وشعوب مختلفة الديانات والثقافات.
ولم يعد حدثا دينيا يخص المسلمين بل تحول إلى ظاهرة إنسانية عالمية سترعي انتباه غير المسلمين أيضا، وقد أصبح موسم الحج موضع اهتمام الإعلام الإعلامي، والشعوب تترقب هذا الحدث السنوي لمتابعته بإعجاب ودهشة، وإن هذا الاجتماع يجمع أكثر مليوني إنسان وأكثر من 160 جنسية في مكان واحد، ووفي وقت واحد، من أجل طقوس موحدة ويعد مشهد نادر لا يتكرر في أي مناسبة عالمية أخرى.
يعتبر الحج ظاهرة عالمية بمعنى الكلمة، حيث أنه ليس فقط بسبب ضخامته العددية والتنظيمية، بل لأنه يمثل مشهدا إنسانيا فريدا حيث تتلاقى فيه لغات العالم وثقافاته، وبات موسم الحج موضوعا دائم في تغطيات وكلات الأنباء الدولية الكبرى مثل BBC, CNN، ورويترز وفرانس برس، حيث تتناول هذه الوسائل الحدث من زاويا متعددة، دينية ولوجستية وإنسانية وثقافية.
وفي تقرير نشرته وكالة رويترز عام 2023، وصفت موسم الحج بأنه أكبر تجمع بشري منظم في العالم، مشيدة بقدرة السلطات للمملكة العربية السعودية على تأمين وإدارة حشود تقدر بأكثر من مليوني حاج، في مساحة جغرافية محدودة، وأيام معدودة، باستخدام تقنيات متقدمة وشبكات خدمات متكاملة، أما هيئة الإذاعة البريطانية BBC فقد نشرت عدة تقارير تلفزيونية ومصورة، ووثقت فيها اللحظات المؤثرة لمناسك الحج، وأشارت أن موسم الحج يعد تجمع عالمي الذي يجمع بين كبار السن والشباب، والرجال والنساء، من أكثر من 160 دولة حول العالم.
كما أصبحت عدسات المصورين العالميين تجد في الحج مادة إنسانية غنية، تظهر فيها مشاعر الخشوع والتضامن والتجرد لله، وتنشر سنويا صور فريدة في كبرى الصحف العالمية مثل The Guardian, The New York Times، وتظهر ملايين الحجاج وهم يطوفون حول الكعبة أو يقفون على جبل عرفات بلباس الإحرام الأبيض، في مشهد يعد من أكثر الصور تداولا حول العالم لما يجعله يجمل من الرمزية والإلهام.
ولا يقف الاهتمام الإعلامي عند حدود الإعلام، بل يمتد إلى الحقول الأكاديمية والدراسات الاجتماعية، حيث يتناولون الباحثون من جامعات مرموقة مثل هارفارد وأكسفورد موسم الحج كدراسة حالة في مجالات مثل، إدارة الحشود، والتأثير الثقافي والدين المقارن والعديد، وقد أظهرت الدراسات كيف يسهم الحج في تقديم صورة مختلفة عن الإسلام، حيث تتسم بالتسامح والانفتاح والانضباط.
وأفاد زياد الشهري مقدم تلفزيوني بأن (الحضور الإعلامي في الميدان مُختلف جداً وعظيم ومظلته الأساسية خدمة الدين والوطن وللأمانة الشعور والمشاعر الروحانية لا يُمكن وصفها نهائياً كانت أياما عظيمة جداً وشعرت بل آمنت أنها في كفة وأي تجربة إعلامية ثانية في كفة وخصوصاً يوم عرفة كان عظيم جداً من ساعات الصباح الأولى حتى نهاية المساء وزوال شمس يوم عرفة، والتغطية كانت من مواقع مختلفة طيلة أيام الحج في كافة المشاعر المقدسة).
وقد شهد موسم الحج في السنوات الأخيرة تطورا تقنيا وخدميا غير مسبوق، حيث أنه عزز من كفاءته وسلامته، وقد لفت أنظار العالم إلى التحول الكبير في إدارته، وهو ما تم نقله من عدسات الإعلام العالمي بوضوح، بارزة كيف قد أصبح الحج نموذجا حضاريا متقدما يعكس صورة الإسلام في أبهى حلته.
رحلة الاستعدادات قبل الحج
لا تبدأ رحلة الحج عن وصول الحجاج إلى مكة المكرمة، بل تنطلق قبل ذلك بكثير، عبر سلسلة طويلة من الاستعدادات على المستوى الدولي، حيث تعكس حجم الحدث ومكانته الدينية والإنسانية، فكل عام تتأهب أكثر من 160 دولة ممثلة بوزارات ومؤسسات وهيئات رسمية، لتجهيز وفودها من الحجاج، وتشمل هذه التحضيرات إجراءات طبية وتثقيفية ولوجستية وتنظيمية دقيقة، وتهدف إلى ضمان وسلامة وراحة الحجاج قبل وخلال رحلتهم إلى المشاعر المقدسة.
وتعمل الدول الإسلامية وغير الإسلامية على تنسيق رحلات الحجاج بالتعاون مع الجهات السعودية المختصة، خاصة وزارة الحج والعمرة، التي تخصص لكل دولة حصصا معينة وتنظم معها خطط النقل والإقامة والتفويج، كما تنطلق حملات توعية واسعة قبل مغادرة الحجاج بلدانهم، وتتناول آداب الحج وطرق الوقاية الصحية، وإرشادات التنقل والتجمع، مما يعكس بعدا ثقافيا وتنظيميا مميزا، أما على الصعيد الطبي، فتلزم العديد من الدول من حجاجها بإجراء فحوصات دقيقة قبل السفر، والحصول على اللقاحات اللازمة، وذلك لضمان خطة الوقاية الشاملة، ويتم بتنسيقها مع منظمة الصحة العالمية، وترافق بعض الوفود طواقم طبية وإدارية، لضمان تقديم الرعاية اللازمة طيلة أيام الحج.
وأشارت شهد أبو الحسن، موظفة سابقة في نسك مساعدة إدارية -عمل ميداني، (أن الخدمة الرقمية الأكثر تأثيرًا في تسهيل تجربة الحجاج هي إصدار التصاريح لجميع المناسك، وتوفير حجز السكن والنقل عبر التطبيق، مما ساهم في تنظيم الرحلة وتوفير الوقت والجهد للحاج. كما أتاح التطبيق العديد من الخدمات الأخرى مثل الدعم اللغوي المتعدد، إرشادات مناسك الحج والعمرة بشكل تفصيلي، التوجيه الرقمي للحجاج، وإمكانية الاستعلام عن مواقع الخدمات مثل مراكز الصحة والراحة، مما جعل تجربة الحاج أكثر سلاسة وراحة).
وتعد هذه الاستعدادات الدولية تعكس الطابع الإعلامي للحج، وتؤكد بأنه حدث ليس دينيا فقط، بل تجربة إنسانية تتطلب أعلى مستويات التنسيق والتعاون بين الدول، مما قد يجعل موسم الحج نموذجا فريدا في التنظيم الجماعي العابر للحدود.
نقلة تنظيمية في خدمة ضيوف الرحمن
شهد تنظيم موسم الحج في السنوات الأخيرة تطور نوعي غير مسبوق، ولم يعد موسم الحج مجرد شعيرة دينية تقام وفق أنماط تقليدية، وجعلت هذه الشعيرة العظيمة نموذجا عالميا في الإدارة الذكية والتقنية المتقدمة، والتحول إلى منظومة متكاملة تعكس تقدم الدولة السعودية في التنظيم والتخطيط وإدارة الحشود، ففي السنوات الأخيرة شهدت المملكة العربية السعودية عمليات تنظيم الحج سلسلة من التحديثات الجوهرية، من حيث استقبال الضيوف والسكن، إلى النقل والصحة والتفويج، وذلك ليتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.
ومن أهم تلك الإنجازات والابتكارات التي أحدثتها المملكة وتحول لشي ملموسا، بطاقة الحج الذكية، وهي بطاقة رقمية موحدة تحتوي على معلومات الحاج الشخصية والصحية ومكان إقامته وتنقلاته، وتستخدم إلى للوصول إلى خدمات مختلفة، مما يساهم في تسهيل إدارة الحشود وتقليل الأخطاء ومساعدة الحجاج، وكذلك أطلقت منصة نسك الإلكترونية التي تتيح للحجاج من أنحاء العالم حجز الخدمات والبرامج الإلكترونية، مما سهل إجراءات القدوم والتنقل داخل مكة المكرمة (المشاعر).
كما اعتمدت المملكة على أنظمة الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات في إدارة الحشود، من خلال تتبع حركة الحجاج وضبط التدفقات البشرية، والتفاعل الذكي مع التغيرات الميدانية، أما على الجانب الأمني واللوجستي، قد اعتمدت المملكة على الكاميرات الذكية وتقنيات التعرف على الوجه، لمراقبة الحشود وتنظيم الدخول والخروج من المواقع الرئيسية، ك منى وعرفات ومزدلفة، وقد ساهمت في رفع كفاءة التفويج وتقليل الازدحام وتعزيز الاستجابة للحالات الطارئة.
ومع هذا التقدم اللافت في التنظيم في موسم الحج، لم يمر دون أن يثير اهتمام العالم بمختلف مؤسساته الإعلامية والبحثية والإنسانية، فقد أصبح الحج حدثا عالميا يرصد بعناية، وتخصص وكلات الأنباء الكبرى مساحات واسعة لتغطية تفاصيل موسم الحج سنويا، ليس من باب التوثيق الإخباري فقط، بل لتحليل دلالاته الثقافية والروحية والتنظيمية.
كما أن عدسات الصحف العالمية مثل The Guardian وThe New York Times، تلتقط صورا إنسانية تظهر مشاعر الخشوع والتلاحم ولتجرد، وتنشر على صفحاتها الأولى، مما يعكس الاهتمام البصري والرمزي بالحج كقيمة إنسانية تتجاوز الحدود الدينية والجغرافية، ومع هذا التفاعل العالمي في موسم الحج يظهر كيف تحولت الشعيرة العظيمة إلى انعكاس حضاري للإسلام، وصورة إعلامية إيجابية تعكس الانفتاح والتنوع والتعايش، وتقدم رسائل سلام موجهة إلى العالم.
وبالرغم من التطور الذي حدث لا يزال هنالك أشخاص لم يسبق لهم الحج، حيث بسبب التنظيمات سابقا، لكن أفاد الحاج محمد من دولة بنجلادش الذي يبلغ من العمر 68، (كنت أظن أنني لن أتمكن من أداء مناسك الحج بسبب تقدمي في السن ومشاكل صحية، لكن ما وفرته المملكة العربية السعودية من تنظيمات ورعاية طبية وخدمات تنقل، شجعني على اتخاذ القرار لهذا العام والحمد لله كانت تجربة روحانية وتنظيمية وفوق الوصف، وأود أن أرجع لزيارة مكة المكرمة مرة أخرى).
الحج في عيون الإعلام العالمي
في السنوات الأخيرة تحول موسم الحج إلى حدث إعلامي كبير يحظى باهتمام واسع من وسائل الإعلام الدولية، التي تسعى لتغطية هذه الشعيرة الإسلامية الكبرى من زوايا متعددة، تتراوح بي الجوانب الدينية والتنظيمية والإنسانية، وفي موسم الحج لعام 2023، شارك أكثر من 2000 إعلامي من 150 دولة في تغطية مناسك الحج، مستفيدين من التسهيلات التي وفرتها المملكة العربية السعودية، بما في ذلك التصاريح الرقمية والتقنيات لتسهيل حركة الإعلاميين في المشاعر المقدسة.
ووسائل الإعلام الكبرى مثل BBCو CNNو Reuters، خصصت تقارير موسعة لتغطية الحج، مشيدة بالتنظيم الدقيق والجهود المبذولة لضمان سلامة الحجاج، كما أنها أبرزت في التغطيات الجوانب الإنسانية للحج، مثل مشاعر الخشوع والتجرد والتضامن بين الحجاج من مختلف الجنسيات والثقافات.
وهناك تجارب لمن قد غطى موسم الحج، مثلما أفادت الإعلامية أثير الزرفاني (من خلال تغطيتي الإعلامية لموسم الحج العام الماضي ضمن فريق جمعية هدية الحاج والمعتمر بالمدينة المنورة، كان لي الشرف في توثيق لحظات ترحيب المملكة بالحجاج، بدءًا من الاستقبال الإنساني الدافئ، وتوزيع الهدايا، إلى تقديم أرقى الخدمات الصحية والتنظيمية والتوعوية، والمملكة أبدعت في احتواء الحجاج من مختلف الجنسيات، وحرصت على تلبية احتياجاتهم بكل عناية وكرم، أما من الجانب الإعلامي، فلاحظت تفاعلًا واسعًا من وسائل الإعلام المختلفة، وكان هناك حضور ملموس على مستوى التغطيات المحلية والعالمية، والفرق بين الإعلام العربي والغربي كان واضحًا؛ العربي ركّز على الجانب الروحي والتنظيمي، بينما الغربي أبرز القصص الإنسانية والتنوع الثقافي، وسلّط الضوء على تجربة الحجاج الشخصية والابتكارات التنظيمية في الحج).
وفي تقرير سابق لصحيفة الشرق الأوسط، أشادت أن الصحف البريطانية والفرنسية بنجاح السعودية في تأمين الحجيج خلال مراحل الحج، من الطواف إلى الصعود إلى عرفة، ثم مراحل رمي الحجرات، مشيرة إلى أن هذه الجهود تعكس قدرة المملكة على إدارة هذا الحدث الضخم بكفاءة عالية، وكما أن وسائل الإعلام سلطت الضوء على استخدام المملكة العربية السعودية للتقنيات الحديثة في تنظيم الحج، مثل الكاميرات الذكية، وتقنيات التعرف على الوجه، مما ساهم في تعزيز الاستجابة للحالات الطارئة.
وقد أشارت ريم العتيبي مرشدة سياحية- بأن (زيارة الحجاج لا تقتصر على أداء المناسك فقط، بل تشمل أيضًا التعرف على التراث والثقافة السعودية دور المرشد السياحي مهم جدًا في تقديم معلومات ثقافية ودينية، وتنظيم زيارات للمواقع التاريخية والمعالم التراثية، كذلك وجود مختصين في أمن السياحة ضروري خلال موسم الحج لأنهم يساهمون في حماية الحجاج وإدارة الحشود وتقديم التوعية مما يعزز الأمان ويحسن تجربة الزائر بشكل عام).
وهذا الاهتمام الإعلامي العالمي بالحج يعكس كيف أصبحت هذه الشعيرة الإسلامية تجربة إنسانية، وتقدم مناسك الحج للعالم صورة حية وواقعية لقيم الإسلام، وإذ أنها تجسد مبادئ التوحيد والمساواة والانضباط والتراحم بين الناس، ويكون الحج منصة إنسانية كبرى تقدم للعالم نموذجا ملموسا لقيم الإسلام الحقيقية.
الحج وجه حضاري للإسلام
رغم أن الحج عبادة دينية إسلامية خالصة، إلا أن أثره الحضاري امتد ليصبح محط بأنظار واهتمام المفكرين والفلاسفة والباحثين من جميع أنحاء العالم، والذين رأوا فيه تجليا حضاريا مدهشا لقيم الإسلام في المساواة والانضباط والتضامن الإنساني والنقاء الروحي.وقد يرى بعض المفكرين الغربيين أن الحج لا يختصر على الشعائر فقط، بل أنه يعبر عن فلسفة عميقة تنعكس في السلوك الجمعي للحجاج، إذ يخلع الجميع مظاهر التميز الطبقي والعرقي، ويتجردون بلباس موحد وهو الإحرام للرجال والنساء العباءة، ليقفوا جميعا على صعيد واحد، يلبون نداء واحدا، وهو ما يجعل الكثير من المراقبين يصفونه بأنه (الرمز الأوضح لوحدة الإنسانية) كما قال الكاتب البريطاني ويليام مونتغمري واط.
أما الفيلسوف الفرنسي رينيه جينو الذي أسلم لاحقا وسمى نفسه عبد الواحد يحيى، فقد كتب في مؤلفاته عن الحج باعتباره نموذجا للانضباط الجامعي الطوعي، الذي لا تراه في أي ثقافة أو حضارة أخرى، وأشار إلى أن ما يحدث في مكة خلال الحج يفوق تنظيم أي حشد عالمي منظم، رغم بساطته من الإمكانات المادية الظاهرة، وبالإضافة لذلك تحتفظ بعض أكبر الجامعات العالمية مثل هارفارد وكامبردج بأقسام بحثية تدرس الحج ليس كحدث ديني، بل كمؤشر حضاري يعكس قدرة المجتمعات الإسلامية على التنظيم والإدارة والروح الجماعية، ومن ذلك لم يعد الحج مجرد شعيرة تؤدي، بل أصبح خطابا حضاريا عالميا، يرويه كل من رآه، بأن الإسلام لا يقدم فقط تعاليم روحانية بل نموذجا إنسانيا رفيعا في الاحترام والسلام والتكافل.
وأفادت شهد أبو الحسن، موظفة سابقة في نسك مساعدة إدارية -عمل ميداني، (أرى أن من أبرز التحديات التي واجهناها في منظومة "نُسك" لخدمة الحجاج والمعتمرين هو التنوع الكبير في ثقافات الحجاج واختلاف لغاتهم، لكن هذا التحدي تحوّل إلى فرصة حقيقية لتقديم تجربة متميزة وشاملة، تخاطب الجميع بلغتهم وتلبي احتياجاتهم بمرونة وسهولة، حيث قامت وزارة الحج والعمرة بالشراكة مع الهيئة السعودية للسياحة بتصميم تجربة رقمية موحدة عبر تطبيق "نُسك"، تراعي اختلاف الخلفيات الثقافية والتعليمية، وتوفر أدوات ذكية تُبسّط رحلة الحاج أو المعتمر من أول خطوة حتى انتهاء المناسك، وكنا كفريق عمل في "نُسك" نتعامل بشكل مباشر مع الحجاج والمعتمرين عبر عدة قنوات، سواء رقمية أو ميدانية، وحرصنا على التفاعل بلغة الحاج، وتقديم الدعم بأسلوب بسيط وواضح، سواء عبر الرد الفوري على الاستفسارات داخل التطبيق، أو من خلال فرق الدعم الميداني التي ساعدت في إرشاد الحجاج وتسهيل استخدامهم للخدمات الرقمية، خاصة لمن يواجهون صعوبات تقنية أو لغوية. كان التعامل الإنساني جزءًا أساسيًا من تجربتنا، فكنا نُشعر كل حاج بأنه محل ترحيب واهتمام، مهما كانت خلفيته).
سفير الإسلام
يعد موسم الحج بمثابة السفير الأصدق للإسلام في نظر العالم، فهو لا يحمل شعارات نظرية فقط، بل يقدمها حية ومجسدة أمام أنظار الملايين في مشاهد يتابعها الناس من مختلف الأديان والثقافات، لتترك انطباعا عميقا عن جوهر الدين الإسلامي وتغير الصور النمطية السائدة لدى البعض عنه.
ففي هذا الوقت الذي قد تشوه بعض الخطابات المتطرفة أو الصور السياسية مفهوم الإسلام عالميا، يأتي الحج ليعيد تقديم الدين في صورته الحقيقية، حيث أنه يدعو إلى السلام والنظام والانضباط والتجرد لله والمساواة والرحمة، وهذا ما عبر عنه الصحفي الأمريكي مايكل وولف في كتابه The Architecture of Islam حين كتب أن (الحج هو أحد أعظم الأعمال الإنسانية التي تظهر أن الدين لا يفرق بين غني وفقير، أو أبيض وأسود، بل يساوي بينهم في خضوعهم لخالق واحد).
مما لم يعد الحج مجرد ركن ديني يؤديه المسلمون فقط، بل تحول إلى مساحة لتلاقي الشعوب والثقافات، وإبراز الدور الحضاري للإسلام في بناء علاقات قائمة على السلام والتفاهم، وفي هذا السياق يرى رامز الحمصي - مستشار إعلامي ورئيس تحرير موقع الحل نت بأن (بالنسبة لبعض الدول التي ترسل أعدادًا كبيرة من الحجاج، يتجاوز الحج دوره الديني ليصبح أداة سياسية ناعمة تُستخدم لتعزيز النفوذ الدولي وبناء علاقات دبلوماسية.
في دول مثل إندونيسيا، أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، تُعد برامج دعم الحجاج جزءًا من استراتيجية دبلوماسية مدروسة. الحكومة الإندونيسية، التي ترسل عشرات الآلاف من الحجاج سنويًا، تقدم تسهيلات مالية ولوجستية، مثل برامج التمويل الميسر وتنظيم رحلات جماعية. هذه الجهود لا تُكسب الحكومة شعبية داخلية فحسب، بل تُعزز صورتها كدولة رائدة في العالم الإسلامي، مما يمنحها وزنًا أكبر في المحافل الدولية، مثل منظمة التعاون الإسلامي.
وفي تركيا، التي تشهد عودة قوية للهوية الإسلامية في سياستها الخارجية، يُستخدم الحج كوسيلة لتأكيد دورها كجسر بين الشرق والغرب. الحكومة التركية تدعم الحجاج من خلال وكالات رسمية، وتُروج لمبادراتها في تنظيم الحج كدليل على التزامها بالقيم الإسلامية. هذا الدعم يُترجم إلى نفوذ دبلوماسي، حيث تبني تركيا علاقات أوثق مع دول إسلامية أخرى، مستفيدة من الصورة الإيجابية التي تخلقها هذه المبادرات.
أما في باكستان، فإن تنظيم شؤون الحج يُعد أداة لتعزيز الوحدة الوطنية والتأثير الإقليمي. الحكومة الباكستانية، التي ترسل أعدادًا كبيرة من الحجاج، تستخدم برامج الحج لإبراز التزامها بالهوية الإسلامية، مما يساعدها في كسب تأييد الدول الإسلامية المجاورة، مثل أفغانستان وإيران، في قضايا إقليمية حساسة).
قد نشرت صحيفة Le Monde الفرنسية في تغطيتها لحج 2022، أن الحج يقدم الإسلام كدين جماعي التوجه، حضاري الطابع وإنساني الرسالة، ومعتبرة أن التغطية الإعلامية السنوي لهذا الحدث تتيح للعالم فرصة لفهم الإسلام م زاوية أخلاقية وإنسانية لا سياسية، وهناك بعض البرامج الوثائقية مثل Inside Mecca الذي عرضته قناة National Geographic، لعبت دورا في تعزيز هذه الصورة وإذ أنها وثقت رحلة الحج من منظور ثلاثة حجاج من دول مختلفة، وأظهرت كيف يتوحد المسلمون في أبهى صورهم الروحية والإنسانية، ما جعل ملايين المشاهدين حول العالم يتأثرون ويعيدون النظر في تصوراتهم حول الإسلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.