البحوث العلمية بحاجة إلى مقومات كثيرة من أهمها: الدعم والتشجيع من أعلى سلطة، والصرف عليها بسخاء وصبر، وتزويدها بالعلماء والباحثين، وتفريغهم للأبحاث وإجراء التجارب، والحرية والتعاون مع مراكز الأبحاث في الدول المتقدمة بعيداً عن قيود البيروقراطية، والانفتاح على القطاع الخاص، وجعل المنتج مدني الطابع ليسهل التعاون مع أهم مراكز الأبحاث في العالم.. يقول عالم الرياضيات الإيرلندي وليام هاميلتون وهو واحد من أعظم علماء القرن التاسع عشر: "ليس ثمة ما يرقّي العقل، أو يرفع الإنسان فوق زملائه من البشر أكثر من البحوث العلمية"، وهذا في رأيي ينطبق على الدول ورقيها وجودة الحياة فيها، وامتلاكها القوة بكل مقوماتها، فلا يوجد ما يزيد من قوة الأمم ويدعم اقتصادها، ويجعلها في المقدمة كاهتمامها بالتعليم والبحوث العلمية. تذكرت ذلك وأنا أرى العدو الصهيوني يصول ويجول في سماء العرب، وينتهك كل المحرمات الدولية. ولا أدل على ذلك ما يقوم به من عدوان على سورية ووحدتها، والتدخل في شؤونها الداخلية، والقصف بالطائرات في محيط القصر الجمهوري. وما يقوم به من تجويع وتدمير وتهجير للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة. ليس هذا فحسب، بل انفتحت شهية القوى الإقليمية الأخرى المحيطة بنا للتدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية، غير آبهة بحسن الجوار، أو ردود الأفعال. وما أصاب الدول العربية من ضعف له سببان رئيسان: الأول قرار جعل فلسطين وطناً لليهود، وما تبعه من مؤامرات الصهيونية العالمية، ومعها الغرب لإضعاف الدول العربية، وبالأخص الدول الكبيرة المجاورة لفلسطين.. أما السبب الثاني فمن أبنائه وما قاموا به من انقلابات عسكرية، وما ابتلي به من أحزاب قومية كحزب البعث والقوميين العرب والشيوعيين، والأحزاب المتأسلمة كحزب الإخوان المسلمين، وما أفرز من تنظيمات إرهابية، والأحزاب الشيعية وميليشياتها المسلحة. كل ذلك يدعونا إلى امتلاك القوة، والسعي إليها بهدوء ودون ضجيج، وكما هو في الحديث، وقيل إنه لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فكل ذي نعمة محسود". والبحوث العلمية هي الداعم للاقتصاد، وهي الأساس لقيام صناعة وطنية ناجحة، وهي السبيل إلى امتلاك القوة العسكرية، والاحتفاظ بأسرارها.. والبحوث العلمية لا تقتصر على التقنية، لكنها تمتد إلى العلوم الإنسانية والاجتماعية، وأفضل الحلول لكل التحديات الاجتماعية كالفقر والجريمة والمخدرات هي القيام بالدراسات الميدانية، والاستبانات المصممة علمياً لمعرفة الأسباب والحلول المناسبة.. ولا شيء كالحلول العلمية لحل المعضلات، حتى لو كانت أطول، وتكاليف تنفيذها أكثر. والبحوث العلمية بحاجة إلى مقومات كثيرة من أهمها: الدعم والتشجيع من أعلى سلطة، والصرف عليها بسخاء وصبر، وتزويدها بالعلماء والباحثين، وتفريغهم للأبحاث وإجراء التجارب، والحرية والتعاون مع مراكز الأبحاث في الدول المتقدمة بعيداً عن قيود البيروقراطية، والانفتاح على القطاع الخاص، وجعل المنتج مدني الطابع ليسهل التعاون مع أهم مراكز الأبحاث في العالم، كما يمكن استخدام نتائجه لاحقاً في مجالات الدفاع والحماية. وفيما يخص جلب الكفاءات العالمية فلا يوجد وقت أفضل من هذا الوقت، وبالأخص من الجامعات الأميركية، فقد أظهرت دراسة حسب ما ذكرت سوسن الأبطح في مقال لها في جريدة الشرق الأوسط، أن مجلة (نيتشر) أجرت دراسة اتضح منها أن 75 % من العلماء المستطلعين يفكرون في ترك الولاياتالمتحدة، ووجهتهم المفضلة هي كندا وألمانيا وأستراليا، وقد رحبت بهم أوروبا وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا، وخصصوا المزيد من المبالغ للأبحاث والتطوير، وأعلنوا عن الإغراءات للالتحاق بالجامعات الأوروبية ومراكز الأبحاث فيها. ما تخسره مراكز الأبحاث الأميركية سيؤثر على ترتيب جامعاتها بين الجامعات في العالم، وسيؤثر على تنافسيتها مع الصين التي انفتحت شهيتها لاستقطاب العلماء الصينيين، وطلبة الدكتوراه الذين بدؤوا الهجرة من أميركا مع بداية التنافس بين القوتين الكبيرتين، وبالأخص بعد اندلاع أزمة شركة هواوي الصينية في عام 2010. الصين تتقدم بسرعة مذهلة في مجال الأبحاث والتطوير وبالأخص في التقنيات الحديثة ومنها الذكاء الاصطناعي.. وذكر باحث فرنسي هو دافيد جايز أن أوروبا أصبحت خارج السباق مقارنة بالصين، التي وحسب دراسة حديثة أشارت إلى أن 37 من أصل 44 مجالاً تكنولوجياً دقيقاً تقدمت فيه الصين على أميركا. المملكة قوية بقيادتها الطموحة، وشعبها الوفي، ومكانتها الدينية، وما تملكه من ثروات، وموقع مميز، وستزداد قوة بتركيزها على البحوث العلمية، واستقطاب المزيد من الأساتذة والعلماء المميزين لجامعاتها ومراكز أبحاثها، وبالأخص من العلماء المسلمين الذين يعملون في أوروبا وأميركا، ولا أفضل من هذا الوقت لاستقطابهم، ومنحهم ما يستحقون من ميزات مالية ومعنوية.