مرةً أخرى، تؤكد المملكة أنها ليست مجرد لاعب إقليمي فاعل، بل دولة محورية ذات وزن سياسي ودبلوماسي عالمي، قادرة على التدخل السريع والحاسم في أكثر الأزمات الدولية تعقيدًا. ففي ظل التوتر المتصاعد مؤخرًا بين الهند وباكستان، الدولتان المتجاورتان اللتان طالما اتسمت علاقتهما بالتقلب، برز الدور السعودي كحائط صد ضد الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة، ربما كانت تتجاوز حدود جنوبي آسيا. وفي لحظة حاسمة من عمر الأزمة، كانت المملكة الدولة الوحيدة التي أوفدت مبعوثًا خاصًا إلى كلٍّ من نيودلهي وإسلام آباد في وقت متزامن، حاملاً رسالة واحدة وواضحة: خفض التصعيد فورًا والجلوس إلى طاولة الحوار. هذه الخطوة لم تأتِ من فراغ، بل بنيت على رصيد عميق من الثقة بين المملكة وكل من الهند وباكستان. فالعلاقات الاستراتيجية التي تربط المملكة بالطرفين، سياسيًا واقتصاديًا، منحتها موقع الوسيط الموثوق، بل والمطلوب، وهو ما يفسر التجاوب السريع من الجانبين مع المبادرة السعودية، والقبول بتوصياتها، ما أدى إلى احتواء الأزمة في وقت قياسي أعاد التأكيد على مركزية الدور السعودي في الأمن الإقليمي والدولي. لقد كان للاتصالات التي بدأها سمو وزير الخارجية منذ وقت مبكر من الأزمة دوراً أساسياً في دفع الطرفين للتحلي بأعلى درجات ضبط النفس، وما يلفت النظر أن الأزمة تم احتواؤها في وقت قياسي جدًا، في إنجاز دبلوماسي يعكس ما تحظى به المملكة من مكانة مرموقة على الساحة الدولية. لقد نجحت الرياض في أن تكون صمام الأمان، ليس لجنوبي آسيا فقط، بل للعالم بأسره، من خلال إطفاء فتيل أزمة كانت مرشحة للتفاقم السريع. موقف المملكة في هذه الأزمة يعكس تحولًا نوعيًا في تموضعها الدولي، ويعزز صورتها كدولة سلام، لا تبحث عن نفوذ أو مكاسب آنية، بل تسعى لصناعة الاستقرار في محيطها وخارجه، وهي بذلك تضع نفسها في مصاف الدول المؤثرة التي يُحسب لها الحساب في أروقة القرار العالمي. هذا التحرك السعودي يُعزز القناعة المتنامية بأن المملكة، بسياساتها المتزنة ومبادراتها الجريئة، باتت تشكل مرجعية موثوقة في ترسيخ الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي. فحين تتكلم الرياض، تصغي العواصم، وحين تتدخل، تنجلي الأزمات. ومن الأزمة الهندية-الباكستانية إلى مختلف الملفات الساخنة في المنطقة والعالم، تثبت المملكة أنها طرف أساس في إرساء السلام.