في خطوة استراتيجية طال أمد انتظارها، استهلت الدولة حقبة جديدة في إدارة الثروة العقارية عبر إقرار تعديلات جوهرية على نظام رسوم الأراضي البيضاء. هذه القرارات الشجاعة تجسد رؤية اقتصادية معمقة ترمي إلى تقويم مسار سوق رزح طويلًا تحت وطأة الجمود والمضاربات غير المنتجة. لقد تجلى مشهد الأراضي الشاسعة المتروكة في صميم المدن مؤشرًا جليًا على اعتلال بنيوي في السوق العقاري، حيث أسهمت هذه المساحات غير المستثمرة في ندرة المعروض وارتفاع الأسعار بصورة مطردة، مما حال دون تحقيق المواطنين لطموح امتلاك المسكن الكريم. واليوم، ومع إقرار رسوم سنوية تبلغ حتى 10 % من قيمة الأراضي غير المطورة، غدت الرسالة واضحة جلية: لا موضع لتجميد الأصول وتعطيل مسيرة التنمية. هذا التوجه المستحدث لا يقتصر نطاقه على الأراضي الخام فحسب، بل يمتد ليشمل العقارات المشيدة المهجورة التي تسهم بدورها في تعطيل الموارد. ومن شأن هذه الرسوم أن تحفز الملاك على التعجيل بإجراءات التطوير أو البيع، بما يكفل إعادة تدوير هذه الأصول في الدورة الاقتصادية النشطة. من أبرز المكاسب المرجوة من هذه القرارات تقليص حدة ظاهرة الاحتكار العقاري، التي طالما مارسها كبار الملاك ترقبًا لارتفاع الأسعار. اليوم تبدلت المعادلة، وأضحى لزامًا على هؤلاء الملاك إعادة توجيه استثماراتهم صوب قطاعات أكثر إنتاجية تخدم الاقتصاد الوطني وتفتح آفاقًا أوسع للتنمية الشاملة. يمثل القطاع الصناعي، على سبيل المثال لا الحصر، خيارًا استراتيجيًا ذا أهمية قصوى. فمن خلال تعزيز الصناعة، يمكن الارتقاء بحجم الصادرات الوطنية وتنويع مصادر الدخل، والأهم من ذلك توفير فرص عمل نوعية ومستدامة للشباب الطموح. كما تمثل التجارة العصرية والخدمات اللوجستية والتقنية ميادين واعدة تسهم في بناء اقتصاد أكثر تنوعًا واستدامة. إن هذه التعديلات ترسخ مبدأ "الرابح للجميع"، إذ يعود نفعها على كافة الأطراف: سيجد المستثمر الجاد بيئة أكثر عدلًا وشفافية، وسيحظى المواطن بفرص أوفر لاقتناء مسكن لائق، وسينطلق الاقتصاد الوطني نحو مدارات جديدة من النمو المستدام. إن ما نشهده اليوم ليس مجرد تعديل تشريعي، بل هو عملية إعادة هيكلة شاملة للسوق العقاري تسهم في تحريك عجلة التقدم وتحقيق الإنصاف الاقتصادي. إنها بحق خطوة تاريخية ستنعكس آثارها الإيجابية على معيشة كل مواطن، ولا سيما الشباب الذين يمثلون قوام المستقبل. في الختام، لا يسعنا إلا أن نشيد بهذه القرارات الحكيمة التي تؤكد حرص قيادتنا الرشيدة على مصلحة الوطن والمواطن. هذه الرسوم ليست عبئًا كما قد يتبادر إلى الأذهان، بل هي استثمار بعيد المدى في تشييد مستقبل أكثر ازدهارًا وعدلًا.