من الذكريات التي تُحمد للزمن الماضي؛ أننا عاصرنا هذا الرجل العصامي الموسوعي سعد بن عبدالرحمن البواردي، ونهلنا من علمه الغزير، وشهدنا كلماته التي كتبها فصارت أنشودة يترنم بها الأطفال، ونتأملها نحن الكبار الآن فنراها تحفة في الامتنان لخالق الكون سبحانه وتعالى، إذ تقول أبياتها البسيطة السهلة: الله رب الخلق .. أمدنا بالرزق إذا دعاه الداعي .. يحقق المساعي يُسهِّل الأمورا .. ويدفع الشرورا وكل شيء عنده .. بحكمة أعدَّه أكرم به من محسنٍ .. يبرُّ كلَّ مؤمنٍ من حقِّه أن يُعبدا .. حقًّا وأن يُصدَّقا سيظل -رحمه الله- أحد أبرز رواد الصحافة والأدب في العالم العربي الذين انطلقوا من محافظة شقراء، وأسهموا بحظ وافر في النهضة الأدبية، من خلال إنشائه لمجلة «الإشعاع»، وكتابة زاويته الشهيرة (استراحة داخل صومعة الفكر) بجريدة الجزيرة، فضلاً عن العديد من الإصدارات الشعرية والنثرية والتي من بينها: (حتى لا نفقد الذاكرة)، و(قصائد تخاطب الإنسان)، كما ترك إرثًا أدبيًا ضخمًا يزيد على 50 كتابًا، من أبرزها: أغنية العودة، فلسفة المجانين، شبح من فلسطين، قصائد تتوكأ على عكاز، وأغنيات لبلادي. وبذلك شكّل -رحمه الله- علامة بارزة في المشهد الثقافي السعودي، من خلال دوره الريادي في الصحافة الثقافية، وإسهاماته في إثراء المجالس والفضاءات الأدبية، ودعمه المستمر للمثقفين والنهوض بالوعي الثقافي، كما كان قامة في الأخلاق، حيث عرفه الجميع رجلاً في غاية الطيبة واللطف، بشوشًا كريم النفس، وقبل ذلك، شاعرًا ترك بصمة راسخة في تاريخ الأدب السعودي والعربي. وتقديراً لإسهاماته الكبيرة لقي البواردي الكثير من التكريم فقد كرم عام 1426ه في مسقط رأسه شقراء في نادي الوشم بحضور المفكر والأديب عبدالكريم الجهيمان -رحمهما الله-، ومن الدولة -رعاها الله-، إذ تم تُكريمه كشخصية ثقافية لمهرجان الجنادرية 29 عام 1435ه (2014م)، وقلده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله-؛ في فبراير من العام نفسه وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، تقديراً لنشاطه الأدبي والثقافي على مدى 60 عاماً. لم نكن نعرف أنها بمثابة تلويحة وداع أخيرة، حين ذهبنا -الأستاذ عبدالله الصيخان وأنا- لزيارته في المستشفى التخصصي فاكتشفنا هناك أنه خرج قبل ساعات إلى منزله، فاستبشرنا خيرا بذلك، فذهبنا إلى منزله فكان ملازما لفراشه ولكنه استقبلنا ببشاشته المعهودة، وذكرني بعنوان كتابي رافعاً يده قائلا: "الطريق إلى شقراء" وأحسسنا أنه ولله الحمد لم يزل يمتلك ذاكرته المعهودة، ولم نقض بجانب فراشه سوى دقائق معدودة وودعناه على أمل اللقاء ولكنه كان اللقاء الأخير معه. رحم الله فقيد الوطن والأدب، وأسكنه الفردوس الأعلى، وألهم أهله وذويه وتلامذته ومريديه الصبر والسلوان.. "إنا لله وإنا اليه راجعون". الراحل الكبير سعد البواردي -رحمه الله- ويبدو الزميل محمد الحسيني خلال إحدى المناسبات